سلايدرسياسي

مؤشرات في مواجهة امريكا مع ايران ودور العراق فيهما

المقدمة:
تمثل ظاهرة الرأي العام احدى أهم وابرز مظاهر السلوك الجمعي بين اوساط الجمهور والمجتمعات التي ظهرت على نطاق واسع لا سيما مع ظهور ونشوء الدولة المدنية, فقد حظيت تلك الظاهرة بإهتمام واسع وكبير من قبل الباحثين والدارسين والمهتمين والمفكرين وعلى جميع المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبحثية والشعبية وعبر كل العصور والأزمنة التي مرت على تاريخ البشرية ولجميع الناس سواء كانوا حكاماً ام محكومين فضلاً عن اهميتها الاستراتيجية والحيوية اثناء السلم او الحرب وفي جميع الاوقات الراهنة والمستقبلية.
والرأي العام هو “ما يتفق عليه مجموعة معينة من الافراد كلها او غالبيتها من رأي ازاء مشكلة معينة او موضوع معين من الموضوعات الجدلية التي يحتمل وجهات نظر مختلفة, وبعبارة اخرى فهو ما يجول في فكر مجموعة معينة وما تشعر به نحو مسألة او قضية معينة تؤثر عليهم ولهم فيها مصلحة, فالشخص الذي ليس لديه رأي في الموضوع لا يتأثر به ولن يشارك او يسهم في الرأي العام الذي يتشكل نحوه, حيث يدفعنا هذا الى القول الى ان الرأي العام هو تعبير جمعي لآراء افراد متعددين يشكلون مجموعة من خلال اهدافهم وحاجاتهم وطموحاتهم وافكارهم المشتركة”.
وتسعى كثير من الدول المتقدمة الى تعرف وقياس اتجاهات الرأي العام ازاء موضوعات وقضايا و أزمات وظواهر كثير من المواقف التي يهدد مصالحها وأمنها وسلامتها ايماناً منها للوصول الى ابرز النتائج والملاحظات والمؤشرات بهدف وضعها تحت تصرف صانعي القرار ومتخذيه بشأن قياس آراء واتجاهات ومواقف الرأي العام ازاء موضوعات تمثل الاولويات لدى المجتمعات, ومن ثمّ فانه يوفر البدائل المختلفة لاتخاذ القرار المناسب الذي ينبع من رأي الاغلبية المطلقة للجماهير في وطنهم او مجتمعهم الذي ينتمون اليه والذي يمثل في طبيعة الحال رأي الاكثرية أو الجماعات.
ان مسألة دراسة وقياس الرأي العام تستلزم دراسة طبيعة العوامل المؤثرة في تشكيله او تعزيزه  او تعديله او تغييره والتي تتمثل بالعوامل الحضارية والثقافية والوراثية والبيئية والبايولوجية التي تؤثر بشكل واضح على ميول ورغبات واراء واتجاهات الافراد والجماهير في كثير من المواقف والحالات, كما ان للأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والظروف المعاشية التي يمر بها البلد والمجتمع تأثير لا يقل شأناً عن العوامل المؤثرة في تشكيل الرأي العام من وقت الى اخر التي تمثل في طبيعة الحال اولوياتهم ومصالحهم الذاتية.
 ولم يتمتع الرأي العام من قبل بمثل هذه القوة والسطوة التي يتمتع ويمتاز بها في الوقت الحاضر لا سيما بعد التطور الكبير والهائل في تكنولوجيا الاتصال والمعلومات الذي جعل الجمهور يتابع كل ما يجري من احداث في العالم لحظة بلحظة, فضلاً عن انتشار المعاهد والكليات والمراكز البحثية العلمية ومراكز استطلاع الرأي العام المستقلة والمتخصصة بقياس الرأي العام والتي اسهمت بشكل كبير في التعرف على آراء ومواقف واتجاهات الرأي العام في كثير من الموضوعات التي تمثل بدرجة كبيرة وواضحة اهتمام الحكومات والمراكز البحثية من اجل الوصول الى مؤشرات للقضايا المثارة والمطروحة التي هي بالتأكيد تمثل رغبات وميول وتطلعات وتفضيلات الجمهور في مختلف مناحي الحياة السياسية والاجتماعية و المعاشية والتي تقودنا الى فهم وتفسير تصورات الجمهور واعتقاداتهم في كثير من الحالات.
وتعددت تعريفات الرأي العام بين اوساط المفكرين والمهتمين بشأن العلاقات والعوامل المؤثِرة الاجتماعية والسياسية التي تحكمه في كثير من المجتمعات الإنسانية, فمنهم من يعّده (وجهات النظر والشعور السائد بين جمهور معين ازاء موقف أو مشكلة من المشكلات) وكذلك (اتجاهات ومواقف الناس ازاء موضوع معين حين يكون هؤلاء الناس أعضاء في نفس الجماعة المعينة).
 أو هو (الرأي الغالب أو الاعتقاد السائد أو اجماع الآراء والاتفاق الجماعي لدى غالبية فئات الشعب أو الجمهور تجاه أمرٍ أو ظاهرة أو قضية او موضوع معين يدور حوله الجدل وهذا الإجماع له قوة وتأثير على القضية أو الموضوع الذي يتعلق به).
فأغلب التعريفات بشأن مفهوم الرأي العام تتفق من حيث المبدأ انه الاجماع البشري في مجتمع من المجتمعات من حيث الآراء والمواقف والاتجاهات ازاء قضية مثار جدل في وقت محدد ومكان معين بشأن موضوع أو مشكلة أو قضية أو ازمة أو ظاهرة محددة.
وتكمن أهمية الرأي العام ودوره في القوة الخفية والأداة الفاعلة في عملية التغيير والنهوض الوطني, فهناك من يعده واحدة من أدوات المعرفة التي يتم من خلالها التعرف على رأي الشعب, فإذا كان مع الحق أمكن زجُه فيها والعكس صحيح, فهي الوسيلة الفاعلة لما نريد إحداثه من تغيير في كثير من المواقف.
ويسهم الرأي العام في تحقيق كثير من الوظائف مثل سن القوانين او إلغاءها وفي الاسلام المراد من سن القوانين التأطير لا التشريع كما انه يمهد بشكل واضح لقبول القوانين او المقترحات, كما انه يسهم ايضاً في اتخاذ القرارات المناسبة والبديلة في كثير من القرارات التي تتخذها المؤسسات او الجهات ذات العلاقة او الشخصيات.
وتمثل (الناس, المعرفة، القيم المشتركة, السلوك, الاحداث والوقائع, العقيدة, المعتقدات, الارض, العادات, الاتجاهات والميول والمواقف, الاسرة, المدرسة, الخرافات والأساطير, القادة), ابرز عناصر الرأي العام والتي تدخل في كثير من الحالات في اتخاذ الفرد قرار التصويت او الموافقة او الرفض او التأييد او الحياد في كثير من المواقف التي يمر بها في حياته.
وتكمن اسباب الاهتمام الكبير والمتزايد بالرأي العام لكثير من الجهات والمؤسسات ليس في ارتباط هذه الظاهرة بالواقع السياسي للمجتمعات والحكومات والدول على مختلف أنظمتها الحاكمة, بل يأتي بارتباط تلك الظاهرة بمجمل مناحي وواقع الحياة التي يعيشها الانسان في مجتمع من المجتمعات.
ويقصد بقياس الرأي العام او استطلاعه بشكل عام, الوقوف والتعرف على ابرز اتجاهاته وآراءه ومواقفه تجاه قضية عامة او مجموعة من القضايا التي يدور حولها الجدل او النقاش وتمس المصالح العامة للمواطنين وحياتهم, كما يسعى قياس الرأي العام الى معرفة تصورات واعتقادات الناس ازاء موضوع او مشكلة او قضية او أزمة او ظاهرة محددة بهدف التعرف على حجمها وخصائصها وابرز سماتها وصولاً الى معرفة ابرز متغيراتها الحاكمة والعوامل المؤثرة فيها ومن ثمّ الوصول الى ابرز النتائج من أجل التنبؤ بمستقبلها بهدف التحكم والسيطرة بمكنوناتها وبالتالي تحقيق الفائدة للعلم والمجتمع. وفي واقع الحال تمثل قياسات الرأي العام نقطة الالتقاء لعلوم متعددة على سبيل المثال علم السياسة وعلم النفس والاجتماع والاقتصاد والإحصاء والرياضيات والانثروبولوجي, الأمر الذي دفع العلماء والدارسين والمهتمين في مجال التخصص وبخبراتهم المنهجية المتراكمة الى الاسهام الفعال والفاعل في تدعيم قياس وبحوث الرأي العام ومن ثمّ تدعيم طرائقه وأساليبه المنهجية في القياس.
التصعيد الاميركي الاخير ضد ايران والتلويح بالحرب يشعل ويثري عناصر ازمة حقيقة بين البلدين كانت البذرة الاولى لهذه الازمة هو نقض اميركا للاتفاق النووي مع ايران مما اسهم بشكل كبير في تصعيد الازمة بين البلدين بغض النظر عن الاسباب الحقيقة التي تتطلع اليها ادارة الرئيس الاميركي “دونالد ترامب” مما يشعل خيار الحرب واحتمالات التصعيد العسكري لاسيما وقوع عدد من الحوادث المرتبطة بتلك الازمة مثل احتجاز ناقلات النفط واسقاط ايران طائرة التجسس الاميركية المتطورة فوق اراضيها, مما اسهم في تخلي اميركا لبعض من اهدافها من هذه الازمة التي سوف تلقي بضلالها على العراق والمنطقة من ضرر وتأثيرات وانعكاسات على جميع الصعد.
لذا بادر مركزنا (مركز الفيض العلمي لاستطلاع الرأي العام والدراسات المجتمعية) لتناول هذا الموضوع بكل ابعاده ومتغيراته عن طريق البحث والدراسة والتحليل المعمق والتقصي بهدف الوصول الى ابرز النتائج التي تمثل اراء ومواقف واتجاهات النخبة العراقية الاكاديمية والمهنية, عن طريق اجزاء استطلاع للرأي العام النوعي الموسوم بـ (مؤشرات في مواجهة اميركا مع ايران ودور العراق فيهما) من (اساتذة واكاديميين وجامعيين, متخصصين , خبراء, نقابات مهنية, معنيين, سياسيين, مهنيين بالتخصصات الدقيقة كافة) وفق طريقة العينة غير الاحتمالية (القصدية) للوصول والكشف عن (ارائهم, توجهاتهم, مواقفهم, اعتقاداتهم, وتصوراتهم) ازاء تلك الازمة على عينة قوامها (208) مبحوثين من الاناث والذكور وحسب الاعمار من 18سنة فاكثر من محافظة بغداد تحديداً.
وازاء ما تقدم من مؤشرات وملاحظات علمية رصينة فأن الاستطلاع يرمي الى تحقيق جملة من الاهداف وعلى وفق الاتي :
1- معرفة آراء النخبة العراقية ازاء مدى وجود علاقات متوازنة بين العراق واطراف الازمة امريكا وايران فضلاً عن هل ان العراق وسيط موثوق بين طرفي الصراع وهل ان العراق قادر على صنع التأثير لوقف التصعيد.
2- التعرف على موقف النخبة العراقية من واقعية قول قائد الثورة الاسلامية في ايران السيد علي الخامنئي المتمثل” لا حرب ولا تفاوض مع اميركا “.
3- تحديد ابرز الاسباب التي تقف خلف الازمة بين اميركا وايران.
4- التعرف على توقعات النخبة العراقية ازاء بعض المواقف المذكورة المرتبطة بالازمة الحالية بين ايران واميركا.
5- الوصول الى ابرز نوايا السفير الاميركي في بغداد من قولة ” ان العراق سوف يكون حطباً للمواجهة بين واشنطن وطهران “
6- معرفة ابرز الدول التي سوف يقع عليها خطر وضرر اغلاق مضيق هرمز لاسيما العراق.
7- التعرف على وجود استراتيجية محددة وواضحة المعالم ومتفق عليها بين القوى السياسية في العراق تجاه الازمة بين ايران واميركا من عدمه.
8- الكشف عن ابعاد الحالة السياسية والامنية للعراق في ضوء تفاقم الازمة.
9- معرفة مواقف النخبة الاكاديمية والمهنية والمتخصصة ازاء بعض المؤشرات المرتبطة بالازمة.
قراءة في أبرز النتائج:
1- حدد (68,8%) من المبحوثين ان للعراق علاقات متوازنة بين طرفي الصراع (اميركا وايران) وتراوحت الاجابات بين (الى حد ما) و(نعم).
2- عدّ (54,8%) من المبحوثين العراق وسيطاً موثوق من قبل طرفي الصراع وبمستويات مختلفة من الاجابات  تراوحت بين (الى حد ما) و(نعم).
3- أكد (65,3%) من المبحوثين ان العراق قادر على ضاعه التأثير لوقف التصعيد الحالي حيث تراوحت الاجابات بين (الى حد ما) و(نعم).
4- أعتبر (84,1%) من المبحوثين ان قول قائد الثورة الاسلامية في ايران السيد علي الخامنئي “لاحرب ولا تفاوض مع امريكا ” انه واقعي ومنطبق تماماً في الوقت الراهن والمستقبل بينما أكد (15,9%) منطبق في الوقت الراهن ولكن قد يتغير مستقبلاً.
5- حدد (22,03%) من المبحوثين ان سبب (نقض امريكا للاتفاق النووي مع ايران) هو السبب الرئيس الذي يقف خلف الازمة بين اميركا وايران بينما أعتبر (21,36%) من المبحوثين سبب (دعم ايران للمحور المقاوم ضد المصالح والهيمنة الامريكي) هو السبب الذي يقف الى تفاقم الازمة  في حين أكد (19,66%) من المبحوثين ان سبب الازمة هو (تحريض اسرائيلي سعودي).
6- اوضح (97,1%) من المبحوثين ان الشعب العراقي سوف يقف الى جانب ايران في حال تعرضها الى خطر عسكري بعيداً عن الاعتبارات السياسية حيث تراوحت الاجابات بين (اتوقع ذلك) و (ربما يحدث).
7- اشار (98,5%) من المبحوثين الى ان التهديد العسكري الاميركي لايران سوف يجعل من العراق ساحة مواجهة وحرب حيث تراوحت الاجابات بين (اتوقع ذلك) و(ربما يحدث).
8- اكده (98,6%) من المبحوثين ان وجود قواعد عسكرية امريكية غير شرعية في العراق تمثل تهديداً صريحاً لامن دول الجوار حيث تراوحت الاجابات بين (اتوقع ذلك) و (ربما يحدث).
9- حدد (95,2%) من المبحوثين ان انسحاب القوات الامريكية من العراق تمثل حلاً جذرياً للازمة طالما ان اميركا تشعر بتهديد امن تلك القوات حيث كانت الاجابات بين مستويين (اتوقع ذلك) و(ربما يحدث).
10- اعتبرّ (50,5%) من المبحوثين ان قول السفير الاميركي في بغداد “ان العراق يكون حطباً للمواجهة بين واشنطن وطهران” تهديداً للعراق بتحويله الى ساحة قتال اذا ساند ايران بينما اكد (49%) من المبحوثين تهديداً لفصائل المقاومة الاسلامية والحشد.
11- اوضح (36,54%) من المبحوثين ان الدول المستوردة للنفط سوف تشكل اغلاق مضيق هرمز خطراً وضرراً عليها بينما اعتبر (28,37%) من المبحوثين ان من اكبر المتضررين في هذه الازمة هم (دول الخليج) في حين اكد (21,63%) ان العراق سوف يكون متضرراً من هذه الازمة زمن ثم (ايران) بواقع (11,06%).
   12- اعتبر (67,78%) من المبحوثين ان العراق (ربما) قادر على خلق بدائل استراتيجية لمضيق هرمز بينما اعتبر (32,22%) من المبحوثين ان العراق غير قادر.
13ـ أكد (67,3%) من المبحوثين انه لاتوجد استراتيجية محددة وواضحة المعالم ومتفق عليها بين القوى السياسية في العراق تجاه الازمة بين ايران واميركا.
14ـ اعتبر (90,4%) من المبحوثين ان الحالة السياسية والامنية للعراق في ضوء الازمة الحالية بين ايران واميركا (ساحة صراع وحرب امريكية ـ ايرانية) بينما اعتبرها (9,1%) (ساحة تفاوض وتسوية اميركية ـايرانية).
15ـ يعتقد (73,1%) من المبحوثين ان الشراكة الاستراتيجية العراقية تقترب من (ايران) بينما اعتبر (23,1%) ان الشراكة الاستراتيجية العراقية تقترب من كلاّ اطراف الازمة (اميركا ـ ايران).
16ـ اشار (54,3%) من المبحوثين ان رئيس جمهورية العراق لا يستطيع ان يتمكن من كسر الصورة النمطية لرئاسة الجمهورية في العراق بعد 2003 ليلعب دوراً اساسياً في الازمات الكبرى.
17ـ اكد (93,7%) من المبحوثين ان فصائل المقاومة الاسلامية في العراق لن تقف مكتوفة الايدي في حالة نشوب الحرب بين( اميركا ـوايران ) حيث تراوحت الاجابات بين (نعم) و(ربما).
18- أوضح (98,1%) من المبحوثين انه في حالة وقوع الحرب بين امريكا وايران انها سوف تؤثر بشكل واضح على العراق والمنطقة حيث تراوحت الاجابات بين (تؤثر كثيراً) و (تؤثر قليلاً).
19- حدد المبحوثون جملة من القطاعات والجهات والموضوعات والمؤسسات التي سوف يقع عليها الضرر والتأثير يأتي في المقدمة وعلى التوالي (التجارة والاقتصاد) بواقع (20,79%) ومن ثم (المؤسسات العراقية والبنى التحتية) بواقع (16,25%) وكذلك (العلاقات بين البلدان) بواقع (14,49%) ومن ثم (استخراج وبيع النفط) بواقع (13,91%) وكذلك (حركة السياحة) بواقع (13,32%).
20- يعتقد (97,1%) من المبحوثين وقوع الحرب بين ايران وامريكا حيث تراوحت الاجابات بين (بدرجة متوسطة) و (بدرجة كبيرة) و (بدرجة قليلة).
 
 
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق