المدخلية في العراق .. جرس إنذار دموي وخطر يهدد السلم الأهلي
إعداد: مركز الفيض العلمي لاستطلاع الرأي والدراسات المجتمعية
مقدمة
في ظهر عاصفٍ من أواخر الصيف العراقي، دوّى خبرٌ كالصاعقة هزّ الأحياء قبل أن يهزّ القلوب: مقتل الشيخ عبد الستار القرغولي، أحد وجوه الدعوة في بغداد، بشكل غادرٍ كشف عن شبحٍ جديد يزحف في الظل، لم يكن الحادث مجرد جريمة تُسجَّل في دفاتر الأمن، بل جرس إنذارٍ مدوٍّ أيقظ العراقيين على حقيقة تيارٍ متشدد يختبئ خلف خطاب الطاعة والولاء، يعرف بـ المدخلية، وهذه الحادثة لم تُسفك فيها دماء رجل دين فحسب، بل سفكت معها أوهام الطمأنينة في أوساطٍ كانت تظنّ أن التطرف قد انحسر برحيل “داعش”، ولقد أعادت للعراق ذاكرة الانقسامات الفكرية والاغتيالات التي تزرع الفتنة، لتؤكد أن خطر هذا التيار لا يقف عند حدود المساجد، بل يمتدّ إلى السلم الأهلي ووحدة المجتمع، ليصبح بحث نشأة المدخلية وخطابها وأفكارها ضرورةً علمية وواجبًا وطنيًا.
فرقة المدخلية (أو السلفية المدخلية، أو “المداخلة” كما يُسَمُّونها بعض الأطراف) هي تيار سلفي ظهر في العقود الأخيرة، ولاقى جدلاً واسعاً في الأوساط الدينية والسياسية، والهدف من هذا المقال هو استقصاء نشأتها، أفكارها، أسلوبها في الخطاب، امتدادها في العراق، وما الذي تغيّر بعد حادثة قتل الشيخ عبد الستار القرغولي (إن ثبت التورط) وما التبعات الأمنية والاجتماعية.
النشأة والتأسيس الفكري
يعود التسمية والمنهج إلى الشيخ ربيع بن هادي المدخلي، الذي أنشأ فكر المدخلية في السعودية في تسعينات القرن العشرين، والفكرة الأساسية كانت رد فعل على تيارات السلفية الصحوية والجهادية — بشكلٍ خاص رفض الجهاد المسلح أو المعارضة السياسية الصريحة، والتركيز على الدعوة، إصلاح العقيدة، ومحاربة البدع.
الخصائص العقدية والمنهجية
-
الطاعة المطلقة لولي الأمر، مهما كان، حتى لو كان غير مسلم، باعتبار أن الفوضى أو الفتنة أو إسقاط النظام أشد ضرراً من السكوت أو التحذير الدعوي فقط.
-
التشدد في مسائل البدع، وإدانة العلماء الذين يرونهم مخالفين في المنهج أو العقيدة، من خلال التبديع أو التكفير أو التفسيق، بحسب الرؤية المدخلية.
-
رفض العمل السياسي أو الجهادي: أي أنهم لا ينخرطون عمليا في تنظيمات سياسية أو عسكرية، لكنهم يسعون للنفوذ الدعوي والتأثير عبر المساجد والخطاب الديني.
التوسع الجغرافي والانتشار الميداني
من السعودية إلى الدول العربية الأخرى
بعد نشأتها في السعودية، امتدت أفكار المدخلية إلى دول عربية مختلفة: مصر، ليبيا، الكويت، وغيرها، مع دعاة محليين يتبنّون المنهج المدخلي، وفي هذه الدول، لا يكون التيار منظّماً كحركة سياسية علنية غالباً، لكنه يكون “دعويًا منهجيًا” أي أن الانتماء إليه يكون فكريًا، والانتشار من خلال الخطب، المساجد، المنابر، وسائل التواصل، وليس من خلال حزب أو جماعة مسلحة.
-
السعودية: مركز الثقل والنشأة في السعودية وهم يدعمون محمد بن سلمان ويؤيدون قراراته حتى وإن كانت في السماح لحفلات الرقص وبيع الخمور ويعلّلون ذلك بأنّ بقاء النظام العام يوجب عليهم عدم المعارضة في الجزئيات.
-
الجزائر: ظهروا في التسعينات ودعموا الحاكم في وجه الإسلاميين.
-
ليبيا: دعموا سقوط القذافي ودعموا فيما بعد حفتر ضد الإسلاميين.
-
مصر: وقفوا ضد الإخوان وحرموا التظاهر ضد حسني مبارك، وهم داعمون لحكومة السيسي الآن.
-
في أوربا وأمريكا: يعارضون أي نشاط إسلامي مسلح يقف بالضد من الانظمة الغربية لأنهم يرون حرمة مخالفة اي وضع سياسي حتى وان كان أجنبي.
الانتشار في العراق
منذ عام 2003 ومع التحولات التي رافقت سقوط النظام السابق وما تبعها من فراغ أمني وسياسي، برز في الساحة السنية العراقية تيار سلفي يُعرف بـ”المدخلية”، و ظهرت المدخلية في العراق كتيّار منظَّم للمرة الأولى؛ فقبل 2003 لم تتجاوز وجودَ خلايا فرديّة متفرّقة بلا إطار مؤسَّس، إلا أنّ الفراغ الأمني وسيولة المشهد الديني بعد الغزو وفّرا لهم أرضيةً خصبة، فتوسّعوا سريعاً في مساجد حزام بغداد ومدن سنّية أخرى.
عام 2007 ألقى زعيمهم العراقي أبو منار العلمي محاضرةً شهيرة حرّم فيها قتال القوات الأميركية بدعوى “انتفاء شروط الجهاد” وواجب طاعة “المتغلّب” درءً للفتنة؛ ورأى أنّ إطلاق النار على الجنود داخل المدن يُعرّض المدنيين للخطر ولا يُعدّ جهاداً مشروعاً، ومع تغيّر المشهد السياسي والديني، والفراغ الأمني والدعوي، دخلت المدخلية إلى العراق واستغلت الفرص للدعوة، للتحذير من الفتنة، ولتثبيت حضور ديني بين الجماعات السنية، واستقروا في المساجد، وبدأوا يمارسون نشاطهم في التعيينات الدينية والمساجد، بعضهم من أبرزهم “أبو منار العلمي” بحسب المصادر، الذي يُقال إنه ظهر كقيادي محلي، ومع انسحاب الدولة من كثير من الجوامع والمراكز الدينية السنية، وجدت «المدخلية» بيئة مهيأة للانتشار، لا سيما في مناطق حزام بغداد، وبعض أحياء نينوى والأنبار.
ابو منار العلمي: الشخصية المحورية في النسخة العراقية
في السياق العراقي، برز بعد عام 2003 اسم أبو منار العلمي (اسم حركي مجهول الهوية الحقيقية) كأحد أبرز منظّري هذا التيار، ويُنسب إليه كتاب محدود التداول بعنوان “دحر المثلب على جواز تولية المسلم على المسلم من كافر متغلب”، يناقش فيه مشروعية تولّي غير المسلم، أو من ينوب عنه، شؤون المسلمين، وقد استشهد فيه بحالة الحاكم الأميركي بول بريمر، معتبرًا وجوب طاعته باعتباره “متغلبًا”، درءًا للفتنة والفوضى.
هذا الطرح شكّل مفارقة واضحة مع موقف معظم حركات المقاومة السنية في العراق، التي اعتبرت الاحتلال الأميركي عدوًا مباشرًا يجب مقاومته، لكنه كان متسقًا مع موقف مشايخ المدخلية في السعودية، وعلى رأسهم ربيع المدخلي، الذين دافعوا عن الطاعة للمتغلب حتى لو لم يكن مسلمًا.
ورغم هذا التوافق الفكري، لم تخلُ العلاقة بين ربيع المدخلي وأبي منار العلمي من التوتر؛ إذ وجّه المدخلي لاحقًا انتقادات حادة للعلمي ولعلي حسن الحلبي، واصفًا إياهما بـ”أهل فتن ومشاكل”، وهو ما أضعف مكانة العلمي رغم دوره المبكر في ترسيخ الفكر المدخلي داخل العراق.
التمويل
على الرغم من أن الحركة نشأت في المملكة العربية السعودية، لكنها فقدت قاعدة دعمها داخل البلاد، مع عدم أخذ معظم السعوديين بفتاوى المدخليين على محمل الجد، لكنها عادت بقوة في الدول العربية بعد أحداث الربيع العربي حيث استخدموا في مشروع الثورات المضادة، واليوم، تحظى المدخلية بشعبية خاصة في الدول الغربية الناطقة بالإنجليزية وليبيا.
فضلا عن الأنظمة العربية، أفاد تقارير أن صانعي السياسات الأمريكيين ومستشاري كبار في وزارة الخارجية الأمريكية نصحوا الحكومة الأمريكية وكبار مثل ويل مككانتس وجاريت براشمان الحكومة الأمريكية بتمويل شخصيات مثل المدخلي بشكل سري لتحويل الدعم عن الجهاديين الذين يدعون للعنف ضد الجيش الأمريكي.
وبحسب تقارير صحفية في العراق، فقد افاد هذا التيار من دعم غير مباشر من أطراف داخلية وخارجية، خصوصًا من بعض القوى الإقليمية الساعية إلى مواجهة التيارات السياسية الإسلامية، كما سُجلت حالات تولّي شخصيات مداخلة لإدارات بعض المساجد تحت غطاء ديني، وبتأييد من بعض الجهات الرسمية سابقًا.
الهيئة القانونية والتصنيف الأمني
صنّفت مستشارية الأمن القومي العراقية، في تصريحٍ أدلى به متحدثها الرسمي خلال برنامج “هنا بغداد” على قناة السومرية بتاريخ 23 أيار/مايو 2024، المدخلية كحركة “متطرفة وعالية الخطورة” على الأمن والسلم المجتمعي، مؤكّدةً ضرورة مكافحتها والحد من نشاطها في المحافظات التي تنتشر فيها، غير أنّ هذا القرار لم يستمر طويلاً؛ فبعد أيام قليلة فقط، في 25 أيار/مايو 2024، أصدر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قرارًا بإيقاف إجراءات الحظر، وجاء هذا التراجع السريع استجابةً لضغوط سياسية مارسها خميس الخنجر، رئيس تحالف السيادة، الذي وصف الحظر بأنه “تجاوزٌ على حرية التعبير والمعتقد“، محذرًا في بيان صحفي (23 أيار/مايو 2024، نقلًا عن وكالة رووداو) من أنّ مثل هذا الإجراء “يمثل ضربةً لجهود المصالحة والوحدة الوطنية، ويهدد الاستقرار في المحافظات المحررة”
لكن أظهرت وثيقة مؤرخة في 27/5/2025 ومتداولة توجيه مستشارية الأمن القومي/ لجنة مكافحة التطرف العنيف في محافظة بغداد بتعزيز البرامج المجتمعية لمواجهة “الحركة المدخلية” بعد تصنيفها كحركة “عالية الخطورة” على السلم المجتمعي، بناءً على توصيات الأجهزة الأمنية ذات العلاقة كافة، واستناداً لموافقة القائد العام للقوات المسلحة خلال اجتماع خاص حضره ممثلو محافظات كركوك ونينوى وديالى والأنبار وصلاح الدين، الى جانب ممثلي أجهزة الأمن والاستخبارات بوزارتي الداخلية والدفاع، وفقاً للمستند الذي لم تؤكد مضامينه لغاية الآن.
الأفكار والخطاب
-
الطاعة المطلقة ودرء الفتنة: من أهم شعاراتهم: أن الحفاظ على استقرار الدولة أو السلم الاجتماعي يُقدَّم على الخروج أو المعارضة، حتى لو كان الحاكم غير عادل، وذلك من أجل “درء الفتنة” وعدم إيذاء المسلمين ببعضهم البعض.
-
رفض الجماعات “البدعية” والإسلاميين المناهضين للسلطة: ينتقدون ويصفون علماء وجماعات إسلامية معروفة بأنهم “بدع” و”منحرفون” عقائدياً، خاصة من يخرج على الحاكم أو من يرى أن المعارضة السياسية أو الجهاد المسلح مبرر.
-
نهج دعوي محض مع حضور ردعي (لفظي/عقائدي): الخطاب غالباً ما يكون تحذيرياً: بمنع البدع، وصحح العقائد، وتحذير من التكفير المفرط أو الفتنة، لا يُعرف أن التيار استخدم العنف المنظم كمبدأ تنظيمي، رغم اتهامات لأتباعه بممارسات فردية.
-
العلاقة مع السلطة السياسية: التيار يظهر ميلاً للتطبيع مع الحاكم، بل إعلاء الطاعة حتى لو كان هناك ظلم، ورفض للمشاركة السياسية الحزبية أو المعارضة، وفي بعض المصادر يُشار إلى أن لديهم نفوذًا ضمن مؤسسات دينية رسمية كديوان الوقف السني من خلال التعيينات وغيرها.
حادثة قتل الشيخ عبد الستار القرغولي وآثارها في العراق
الوقائع المعروفة
الشيخ عبد الستار القرغولي، إمام وخطيب جامع كريم الناصر في منطقة الدورة، جنوب بغداد، تُوفي في حادث أثار جدلاً واسعاً، ثمة روايات متباينة: بعض المصادر تقول إنه تعرض إلى “شبه اغتيال” أي اعتداء جسدي بينما تقول مصادر أخرى إنه توفي بسكتة قلبية بعد مشادة كلامية، وبحسب شهود عيان للحادثة ادلوا بتصريحاتهم للإعلام، انه في يوم الجمعة واثناء دخول الشيخ عبد الستار لاعتلاء المنبر لأداء خطبة الجمعة تم اقتياده من مجموعة كبيرة من الأشخاص يقارب الثلاثين شخصا يترأسهم رجل دين غير معروف وادخل غرفة خارج حرم المسجد بعد مشادة كلامية شديدة واغلق الباب عليه، ومن ثم اعتلى المنبر رجل الدين الذي كان يقود المجموعة وادى الصلاة، وبعدها وجد الشيخ ميتا، وبعد الحادث، اتُهِمت جماعة المدخلية بتورُّطها بالحادثة من قِبل بعض خطباء وأئمة، الذين رأوا أن الحادثة تتصل بخطاب التيار المدخلي تجاه العلماء المختلفين معه، وقد ادان الوقف السني الجريمة ووصفها بالجبانة.
التبعات الأمنية والقانونية
تم تشكيل لجنة تحقيق برئاسة قيادة عمليات بغداد ووزارة الداخلية والأمن الداخلي لفحص ملابسات الحادث، كذلك، مستشارية الأمن القومي سبق أن صنّفت التيار “شديد الخطورة” استناداً إلى سلوكيات يُقال إنها تهدِّد السلم المجتمعي.
التفاعل المجتمعي والديني
حادثة القرغولي أثارت استنفارًا في الأوساط السنية: انتقادات للتيار، دعوات للحذر من امتداد التيارات التي تمس العلماء والمخالفين.
التغير في الخطاب الرسمي
بعد الحادثة، تصاعد الخطاب الرسمي ضد المدخلية، وتصاعد المخاوف الأمنية بمشاركة التيارات السنية والدينية والاجتماعية، وفي المقابل، هناك من يرفض أن يتم وصم التيار بأنه “مماثل للدواعش” أو “تطرف مسلح”، مؤكدين على أن نشاطه يظل في نطاق الدعوة والخطاب.
مناقشة نقدية
-
الإشكالية بين الدعوة والحدود الشرعية: إلى أي مدى التبديع والتكفير (أو التهديد بهما) مسموح به في الفقه الإسلامي؟ وما هي الضوابط التي يجب أن تُراعيها الحريات الدينية والعلمية؟
-
الخطر الملازم للتطرف الفكري: حتى إذا لم يكن التيار منظمًا عسكريًا، إلا أن التشديد في بعض المسائل قد ينقلب إلى ممارسات مجتمعية ضاغطة، أو تجزئة داخل البيت السني، أو استقطاب.
-
الموازنة بين الأمن والحرية: عندما تصنف الدولة حركة فكرية بأنها “شديدة الخطورة”، ما هي الإجراءات المسموح بها وما هي مما قد يؤدي إلى انتهاكات؟
-
دور الدولة والمجتمع المدني: في الرقابة، الحوار، التصدي للتطرف كيف يمكن أن يكون التوازن بين السماح بحرية الدعوة ومنع الأذى، خصوصًا بعد حادثة مثل القرغولي؟
الاستنتاجات
-
جذور فكرية واضحة المعالم: نشأت المدخلية كتيار سلفي دعوي في السعودية على يد الشيخ ربيع المدخلي، وتميّزت بالتركيز على الطاعة المطلقة للحاكم ورفض العمل السياسي أو المعارضات الشعبية، مما جعلها أداة لضبط الحركات الإسلامية المنافسة.
-
التوسع في العالم العربي والعراق: توسّعت المدخلية بعد 2003 مستفيدة من الفراغ الأمني والفكري في العراق، حيث وجدت أرضًا خصبة في المناطق السنية، خصوصًا مع دعم بعض الجهات الرسمية وغير الرسمية لها ضمن مشاريع مكافحة الجهاديين أو التيارات السياسية الإسلامية.
-
أبو منار العلمي كنموذج محلي: شكّل العلمي شخصية محورية في النسخة العراقية للمدخلية، فاقترح تبريرات فقهية لطاعة الاحتلال الأميركي درءًا للفوضى، وهو ما ميّز موقفه عن أغلب حركات المقاومة السنية، وأثار جدلاً حادًا داخل الأوساط الدينية والسياسية.
-
خطاب متشدد في التبديع والإقصاء: يميل التيار إلى التشدد العقائدي في الحكم على المخالفين، مما أدّى إلى انقسامات داخل البيت السني العراقي وأحيانًا إلى توترات أمنية، أبرزها حادثة اغتيال الشيخ عبد الستار القرغولي التي كشفت خطورة الخطاب المدخلي على السلم الأهلي.
-
تأثير سياسي وأمني متقلب: تصنيف مستشارية الأمن القومي العراقية للمدخلية كحركة متطرفة وعالية الخطورة ثم التراجع السريع عن قرار الحظر، يعكس حساسية الملف سياسيًا وصراع القوى بين ضرورات الأمن وضغوط التحالفات السياسية.
-
استخدام خارجي وداخلي: استُخدمت المدخلية في بعض السياقات الإقليمية والدولية ضمن مشاريع الثورات المضادة ومواجهة الجهاديين، وفق تقارير تشير إلى نصائح لبعض صانعي السياسات الأميركيين بتمويل شخصيات مدخلية لتقليل الدعم عن الحركات العنيفة.
-
تهديد للسلم المجتمعي: التطورات الأخيرة، بما فيها التوجيهات الأمنية الصادرة في أيار/مايو 2025 لتعزيز مواجهة الفكر المدخلي، تؤكد أن هذا التيار لا يُنظر إليه كحركة دينية فحسب، بل كعامل يمكن أن يهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي إذا تُرك دون متابعة.
-
أهمية المعالجة الفكرية والمجتمعية: مواجهة المدخلية لا يمكن أن تقتصر على الإجراءات الأمنية، بل تتطلّب برامج توعية دينية ومجتمعية، وحوارًا فكريًا يقدّم بدائل معتدلة تُعزّز الوحدة الوطنية وتمنع استغلال الانقسامات.
-
غياب البنية التنظيمية السياسية جعلهم أقل ظهوراً كحركة رسمية وأكثر تأثيراً عبر الأفراد والخطاب الدعوي.
-
المشهد العراقي بعد الحادثة يشير إلى احتمال تصاعد المواجهة الفكرية وربما القانونية بينهم وبين مؤسسات الدولة إذا لم تُدار الأزمة بحكمة.
التوصيات
-
للحكومة العراقية: التعامل القانوني مع أي تجاوزات يجب أن يستند إلى أدلة قضائية واضحة، مع تجنّب التعميم أو القمع الفكري الذي قد يولّد مزيداً من التطرف.
-
للمؤسسات الدينية: تعزيز ثقافة الحوار الفقهي والاعتدال، وإتاحة المنابر لخطاب متوازن يقلل من حدة التبديع والتكفير.
-
للمجتمع المدني والباحثين: إجراء دراسات ميدانية ومتابعة التحولات الفكرية داخل التيار لفهم دوافعه وسلوكيات أفراده، بدل الاكتفاء بالتصنيفات الأمنية.
-
لوسائل الإعلام: تبنّي تغطية مسؤولة لا تُشيطن ولا تبرّئ بشكل مطلق، بل تعرض الحقائق والسياقات المتعددة.
-
للتيار المدخلي نفسه: مراجعة بعض المواقف الخطابية المتشددة تجاه المخالفين، وتبنّي خطاب دعوي يركّز على التعليم والإصلاح الاجتماعي دون تحريض أو إقصاء.
-
للأوساط الأكاديمية: إدراج دراسة المدخلية ضمن مناهج الحركات الإسلامية المعاصرة لتأهيل باحثين متخصصين يفهمون تأثيراتها الفكرية والاجتماعية.
الخاتمة
فرقة المدخلية تمثل حالة من حالات التيارات السلفية التي حاولت إيجاد مكان لها في المشهد الديني المعاصر من خلال منهج دعوي وتوجّه واضح للطاعة والابتعاد عن المعارضة المسلحة، وفي العراق، ومع الحوادث الأخيرة مثل مقتل الشيخ القرغولي، صار التيار موضوعًا للنقاش ليس فقط من جهة العقيدة بل من جهة الأمن والسياسة، وما سيحدّد مستقبلهم هو كيف تتعامل الدولة مع التيارات الفكرية، ومن حولهم كيف يردّون على الانتقادات، وما إذا كانوا سيعيدون النظر في بعض مواقفهم أو سيؤكدون عليها، ومعالجة الحوادث الفردية التي قد تُستغل ضدهم.
المصادر
-
وكالة رووداو. (2024, أيار 23). بيان خميس الخنجر حول تصنيف المدخلية في العراق. رووداو الإعلامية.
-
قناة السومرية. (2024, أيار 23). تصريحات مستشارية الأمن القومي حول خطورة الحركة المدخلية. برنامج هنا بغداد.
-
مستشارية الأمن القومي العراقية. (2025, أيار 27). وثيقة لجنة مكافحة التطرف العنيف بشأن تصنيف الحركة المدخلية. بغداد: الأمانة العامة.
-
Trauthig, I. K. (2023). ‘Quietist’ Salafis after the ‘Arab revolts’ in Algeria and Libya. The Journal of North African Studies. https://doi.org/10.1080/13629395.2023.2272474
-
Joffé, G. (2018, January 26). The Trojan horse: The Madkhali movement in North Africa. Minbar Libya. https://en.minbarlibya.org/2018/01/26/the-trojan-horse-the-madkhali-movement-in-north-africa/
-
Wehrey, F., & Boukhars, A. (2017). Salafism and Libya’s state collapse: The case of the Madkhalis. Carnegie Endowment for International Peace. https://carnegie-production-assets.s3.amazonaws.com/static/files/WehreyBoukhars_Chapter%206.pdf
-
Arikewuyo, N. A. (2023). Madkhali’s criticism of Sayyid Quṭb: A critique of the critique. ResearchGate. https://www.researchgate.net/publication/379779079_Madkhali%27s_criticism_of_Sayyid_Qutb_a_critique_of_the_critique
-
Muslim Skeptic. (2023, November 21). Academic resources on the Madkhali movement. Muslim Skeptic. https://muslimskeptic.com/2023/11/21/academic-resources-madkhali