العدالة المناخية بين مطرقة التلوث وسندان الاحتباس الحراري

بقلم: د. حسن هاشم حمود/ باحث في مركز الفيض العلمي لاستطلاع الرأي والدراسات المجتمعية

 

تمهيد

إن المتغيرات المناخية وآثارها لم تعد مجرد تحذيرات أو تهديدات محتملة تطلق من قبل الخبراء والمتخصصين بل أصبحت واقعًا مأساويًا يهدد الحياة على وجه البسيطة، وتمثل تحدياً حقيقياً يشكل هاجسًا يؤرق الشعوب والحكومات لما له من اثر سلبي يهدد الحياة البشرية، نشاهد آثارها يوميًا على نشرات الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي ونعايشها، بسبب تزايد النشاطات البشرية الصناعية لتحقيق المزيد من الواردات لتلبية الاحتياجات الداخلية للمحافظة على مستوى دخل مرتفع وتنمية الشعوب على حساب المناخ واستنزاف موارد الطبيعة، مما انعكس سلبًا على إنتاج متغيرات مناخية مخيفة كارتفاع درجات الحرارة وحرائق الغابات والفيضانات وتسونامي والجفاف والتصحر وندرة مصادر المياه… ، وهذه التغيرات لا تقف عند حدود دولة معينة ولا توجد دولة بمنأى منها، بل اصبح الكوكب جميعه يشهد هذه التهديدات لكنها قد تتراوح في شدة تأثيرها بين دولة وأخرى، فإنها تؤثر بشكل كبير على البلدان النامية والدول الهشة اكثر من الدول المتقدمة على الرغم من ان حجم التلوث المناخي وتصاعد الغازات التي تسهم في ارتفاع نسب الاحتباس الحراري تأتي من البلدان الصناعية المتقدمة، لكن آثارها السلبية الكبيرة ستكون من نصيب الدول النامية والفقيرة ومجتمعاتها، بشكل  يفوق ما تتعرض له الدول الصناعية، وان انعدام العدالة المناخية واقتصار النسبة الكبيرة من تأثيراتها على الدول الفقيرة والنامية جعل مقياس هذه العدالة على المحك بين مطرقة التلوث الصناعي الكبير الناجم من الدول الصناعية وسندان الاحتباس الحراري المتضرر الاكبر منه الدول النامية.

 

مفهوم الاحتباس الحراري واسبابه

عرفت ظاهرة الاحتباس الحراري أو ظاهرة الدفيئة بأنها عملية التبادل الاشعاعي بين الغلاف الجوي وما يحتويه من غازات ومواد عالقة بين سطح الارض، إذ يسمح الغلاف الجوي بمرور الاشعاع الشمسي باتجاه سطح الأرض، ولكنه في الوقت نفسه يحبس قسمًا من الاشعاع الارضي المرتد داخل الطبقة السفلى من الغلاف الجوي فتسبب دفء الارض وحفظ حرارتها، ولهذا قبل ثلاثة اشهر من انعقاد قمة المناخ في غلاسكو في عام 2022 نشرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) الجزءين الأول والثاني من تقريرها التقيمي السادس ونشر الجزء الثالث من التقييم في نيسان 2022 حول احدث الدراسات المتعلقة بالاحترار العالمي، إذ ذكرت في تقريرها ان البشر هو المحرك الرئيس وراء مشكلات المناخ كموجات الحر، وذوبان الجليد، وارتفاع حرارة المحيطات، والجفاف، وقلة الامطار، وحرائق الغابات والتصحر وغيرها كانت اغلبها اسبابًا بشرية بسبب الاستخدام المفرط لموارد الطبيعة وزيادة نشاط عملية التصنيع التي اسهمت في ارتفاع نسب التلوث وارتفاع نسب انبعاث الغازات ومنها (التصنيع والصناعات التحويلية واستخدامات الوقود الاحفوري وصناعات التعدين والصناعات النفطية وغيرها، قطع اشجار الغابات، استخدام المبيدات الحشرية والاسمدة الكيميائية في الانشطة الزراعية، والملوثات الناجمة عن النفايات الصلبة التي تشكل مصدراً لتلوث الهواء كثرة عدد السيارات وارتفاع نسب الاحتراق والدخان وما يرافقها من عمليات احتراق وانبعاث للغازات) والاسباب الطبيعية(كالبراكين، ودوران الارض على اعتبار التغير في دوران الارض يعد سببًا في التغير المناخي، الزحف القاري وما يحدثه من تغيرات في الغلاف الجوي وما يسببه من تغيرات مناخية ).

 

 

دور الدول الصناعية المتقدمة في الاخلال في العدالة المناخية

تلعب الدول الصناعية الكبيرة دورًا كبيرًا في الاخلال في العدالة المناخية فهذه الدول تسهم بنسب كبيرة في عملية انبعاث الغازات لما تنتجه مصانعها العملاقة التي تسهم في تعظيم مواردها الاقتصادية ومن خلال ذلك تستطيع هذه الدول ان تؤمّن بنى تحتية وبيئية متقدمة لمجتمعاتها بحيث تستطيع أن توفر حماية بيئية ذات ضرر أقل في حين يكون الضرر الأكبر من نصيب الدول النامية وهي الخاسر الأكبر امام تغيرات المناخ التي تكون نسبة انبعاثات الغازات منها قليلة جدًا وبنسب لا تكاد تذكر موازنة بالدول الصناعية المتقدمة، فهذه الدول الصناعية يأتي منها ما يقارب من ثلثي الانبعاثات العالمية ففي عام 2021 تركزت اغلب الانبعاثات الغازية في ثمانية اقتصاديات رئيسة وكانت الصين المساهم الاكبر في انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية بحصة اجمالية تبلغ 27% وتليها الولايات المتحدة الامريكية بنسبة 11% ومن ثم الهند بنسبة 7% ويتساوى معها الاتحاد الاوربي بنسبة 7% ايضا وتليها روسيا بنسبة 4% وبعدها البرازيل بنسبة 3% واخيرًا اليابان بنسبة 2% اما بقية دول العالم الأخرى مجتمعتًا كانت بنسبة 36%.

ولهذا تذكر التقارير الدولية بتبادل كل من الصين والولايات المتحدة التهم بشأن المسؤولية عن واقع الاحتباس الحراري العالمي، إذ تعد الولايات المتحدة هي الملوث الاقدم والصين الاكبر من حيث عدد السكان وتم تقديم العديد من المبادرات في سبيل تقليل الانبعاثات ومنها قيام الدول الغربية بالترحيب بالعودة الى مضامين اتفاقية باريس بشأن تقليل الانبعاثات الحرارية، فالولايات المتحدة الامريكية تعرف بان المعرقل للتوصل الى اتفاق عالمي بسبب تأثيرات حملة اللوبي الامريكي للنفط الذي يتمتع بنفوذه على النظام السياسي تمكن هذا اللوبي من حظر التعديل لعديد من النصوص المتعلقة بالسياسة المناخية للولايات المتحدة الامريكية، وكان وراء رفض الولايات المتحدة لاتفاقية كيوتو المنعقدة في عام 1997 لمعالجة الانبعاثات الغازية بحضور الامين العام للأمم المتحدة والتي كان من المؤمل ان تدخل حيز التنفيذ في عام 2005 وقد أكد بروتوكولها على ان الدول الصناعية هي المسؤول الأول عن الانبعاثات والغازات الدفيئة…، وقد تميز هذا البروتوكول بتعهد كل من اليابان ودول الاتحاد الاوربي بتخفيض انبعاث الغازات بالنسب المذكورة في البروتوكول خلال مدة الالتزام به خلال المدة الممتدة بين 2008 و2012 ومدة الالتزام الثانية بين 2013 و2020 مع اختلاف خفض هذه الغازات بين الدول الكبرى والمتقدمة والدول النامية، فيما رأت الولايات المتحدة ان ذلك يعرقل نموها الاقتصادي في السنوات القادمة وهي من الدول التي تحتل النسب العالية في انبعاث الغازات لكنها تنظر لتعظيم اقتصادها على حساب التلوث البيئي للدول الأخرى، فعلى سبيل المثال انبعاث ثاني اوكسيد الكاربون في ولاية تكساس البالغ عدد سكانها 22 مليون نسمة تزيد على مجموع الانبعاثات المطلقة من 120 دولة نامية يزيد اجمالي سكانها أكثر من مليار نسمة وهو ما دفع الولايات المتحدة العزوف عن توقيع بروتوكول كيوتو اعلاه مما جعل هذا البروتوكول مجرد التزام دولي على الرغم من القبول الذي حصل عليه دوليًا، لكن فشلت الدول في السيطرة على انبعاثات الغازات الدفيئة بالشكل المطلوب، وبالنسب المحددة في البروتوكول، اما بالنسبة لمعاهدة باريس المنعقدة في 2015 باجتماع 197 دولة من اجل الحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري والحد من زيادة درجات الحرارة في الجو من درجتين مئويتين، لقد انبثقت هذه الاتفاقية بعد فشل مؤتمر كيوتو في تطبيق التعهدات الدولية وكانت هذه الاتفاقية نتيجة جهود العديد من المؤتمرات لكنها ايضًا واجهت تحديات  كانسحاب الولايات المتحدة منها في عام 2017 وهذا يعني على العالم ان يتحمل عبأ 17% من انبعاثات الكاربون التي تسببها المدن الصناعية في الولايات المتحدة الامريكية، فضلًا عن المزيد من اعمال التنقيب والتعدين.

اما بالنسبة للدول النامية ومن ضمنها العراق لا يتحمل سوى جزء قليل من مسؤولية انبعاثات الغازات الدفيئة وذلك ان معظم الدول النامية ومنها العراق لا تنتج بمجموعها سوى 5% من الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري وفقًا لتقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية لعام 2011 ومع ذلك تشهد هذه البلدان تغيرات مناخية شديدة، وعلى الرغم من هذه النسبة المتدنية إلا إنها الأكثر تأثرًا بآثار التغيرات المناخية، ومع الارتفاع المتوقع لدرجات الحرارة الى 5,5 درجة عن المعدل الموجود في نهاية القرن العشرين وما يتبعها من تغيرات مناخية ستؤثر بشكل سلبي على الدول العربية، فضلًا عن الارتفاع المتوقع بواقع مترين لمياه البحر حسب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الذي اعلنت عنه في تقرير قبل انعقاد مؤتمر غلاسكو في تشرين الثاني 2021 فأن الدول العربية ستكون الاكثر تأثرًا بهذا الارتفاع حيث تتركز غالبية مدنها وانشطتها الاقتصادية في المناطق الساحلية فضلا عن تأثير دلتا نهر النيل ونهري دجلة والفرات بهذا التغير.

 

العراق البلد الأكثر تضررًا من انعدام العدالة المناخية

يعد العراق من  أكثر الدول تأثرًا بالتغيرات المناخية وقد تم تحديده كواحد من أكثر الدول هشاشة في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، إذ انه يقع جغرافيًا ضمن المناطق الجافة وشبه الجافة مما جعله واحد من البلدان الخمسة الأكثر تأثرا بالتغيرات المناخية، إذ سيؤدي ارتفاع درجات الحرارة الى انخفاض مناسيب مياه الانهار والبحيرات بمعدلات غير مسبوقة، وسيتعرض العراق لتهديدات مباشرة على النظم البيئية والتنوع البايولوجي، وسيسهم ذلك في تقليص رقعة الارض الزراعية وانخفاض اعداد الحيوانات بما فيها البرية، وستنعكس أثاره على التنمية الوطنية، وقد يكون سببًا في هجرة السكان، فضلا لما سيخلفه من النتائج الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المختلفة التي ستنعكس اثارها سلبا على حياة الناس.

إذ عُد العراق خامس الدول الاكثر تضررًا من ظاهرة التغيير المناخي في العالم بحسب تقارير وزارة البيئة العراقية التي اعلنتها عشية انعقاد مؤتمر المناخ في غلاسكو عام 2021 ما يهدد الامن الغذائي والدوائي والمائي في البلاد، إذ لا يملك 7 ملايين مواطن عراقي القدرة على الوصول الى المياه والغذاء والكهرباء بما يسد حاجياتهم بحسب التقارير التي اصدرتها المؤسسات الاممية ومنظمات الاغاثة الدولية وهذه الاوضاع ستزداد سوء مع ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض مستويات الامطار والجفاف الذي سيعرض مئات الكيلو مترات من الاراضي الزراعية لخطر الجفاف، وهذا ما نشرته الولايات المتحدة الامريكية في تقرير رفعت عنه السرية يمثل تحذيرًا من الاجهزة الاستخبارية والامنية في الولايات المتحدة الامريكية من خطورة التغيرات المناخية وتأثر 11 دولة من ضمنها العراق بشكل خطير.

 

اثار التغيرات المناخية على العراق

  1. تراجع المساحات الخضراء في العراق إذ تشير التقارير الى ان العراق يخسر سنويًا 100 ألف دونم من اراضيه القابلة للزراعة؛ بسبب التصحر مما يهدد الامن الغذائي ويسهم في زيادة الهجرة من الريف الى المدينة.

  2. الارتفاع الكبير في درجات الحرارة بشكًل غير مسبوق اذ تشير التقارير الى ان درجات الحرارة شهدت ارتفاعًا مطردًا في جميع انحاء البلاد منذ خمسينات القرن الماضي وبمتوسط بلغ 0,7 بالمقارنة مع ما كانت عليه قبل 100عام ومن المتوقع ان يرتفع متوسط درجات الحرارة بنحو 2-3 درجة مئوية على مدار الـ 100 عام القادمة.

  3. قلة المياه يواجه العراق تهديدًا لأمنه المائي بسبب التغيرات المناخية مما يسهم في ارتفاع ظاهرة التصحر وانعكاسها على بقية القطاعات الاقتصادية والزراعية.

  4. اضطرابات هطول الامطار في العراق، إذ تتصف الامطار بالشحة والتذبذب وحتى في الاجزاء الرطبة وشبة الرطبة، التي اخذت تعاني من التغير بسبب التغيرات المناخية في المناطق الحدية والانتقالية المتمثلة بشمال وشمال شرق العراق وان 60% من كمية الامطار تكون الافادة منها محدودة جدًا لقلة كمياتها ومحدودية المساحة التي تسقط فيها، فضلا عن انخفاض هطول الامطار السنوي بنسبة 9% ومن المتوقع ان تشهد انخفاضًا أكثر في السنوات القادمة.

  5. تمدد اللسان الملحي في شط العرب يشكل هو الآخر تهديدًا للمناطق الساحلية البحرية المطلة على الخليج العربي، لاسيما محافظة البصرة من جراء ارتفاع مستوى سطح البحر واحترار المياه وتأثراتها على التنوع البيولوجي.

 

الخاتمة

بسبب تضرر المناخ في العالم وتفاقم التغيرات المناخية وارتفاع نسبة الاحتباس الحراري بسبب انعدام العدالة المناخية  وارتفاع انبعاثات الغازات من الدول الصناعية الكبرى التي تنعم بمتغيرات بيئية طفيفة موازنة بالدول النامية التي تعاني من ضرر جسيم لهذه المتغيرات وبما ان العراق احد الدول الاكثر تضررًا من هذه المتغيرات فينبغي ايجاد خطط بديلة تسهم في تخفيف الضرر لهذه المتغيرات المناخية من خلال زيادة المساحات الخضراء ومقاومة التصحر اعتماد اليات لترشيد استهلاك المياه واتباع النظم الحديثة والاقتصادية في عمليات الري وايجاد تشريعات بيئية تحد من حالات التلوث بأنواعه واعتماد مواد صديقة للبيئة في الطاقة ومواد البناء للحد عمليات التلوث.

المصادر

  1. جوزيف أي. ستيجليتز، ترجمة فايزة حكيم، أحمد منيب، كيف نجعل العولمة مثمرة، ط 1،الدار الدولية للاستثمارات الثقافية، القاهرة، مصر، 2009.

  2. راضي، مصطفى محمد، تغير المناخ في العراق: التحديات والافاق وفرص الاستجابة، مؤتمر العراق والتغير المناخي انعكاسات الامن والتنمية، ملخصات بحوث المؤتمر الدولي الثالث لكلية العلوم السياسية جامعة بغداد بالتعاون مع المعهد العراقي للحوار.

  3. صالح، رفل اياد، الاستراتيجية العراقية تجاه تغيرات المناخ الاوضاع الاقتصادية انموذجًا، مجلة دراسات دولية، العدد99، 2024.

  4. العامري، ابتسام محمد، تأثير مقررات اتفاق باريس ومؤتمر غلاسكو للمناخ في المنطقة العربية العراق انموذجًا، مؤتمر العراق والتغير المناخي انعكاسات الامن والتنمية، ملخصات بحوث المؤتمر الدولي الثالث لكلية العلوم السياسية جامعة بغداد بالتعاون مع المعهد العراقي للحوار.

  5. علي، حميد علي و حمد، صهيب محمود مدى جدية الدول الصناعية في معالجة مشكلة التغير المناخي، مجلة المدارات العلمية للعلوم الانسانية والاجتماعية، مجلد 3، العدد 1، 2025.

  6. المركز العالمي لدراسات العمل الخيري، تقدير موقف التغير المناخي المظاهر والآثار وسيناريوهات الحل، 2023.

  7. Saba Rasheed Jubair, The Role of the United Nations in Mitigating Climate Change and Its Impact on Global Environmental Security, Political Sciences Journal – The Role of the United Nations in Mitigating Climate Change and Its Impact on Global Environmental Security Issue (67) June (2024).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى