العراق في عقل إدارة ترامب..  من ثروة مهدورة إلى فرصة استراتيجية

قراءة في دلالات تعيين مارك سافايا مبعوثًا خاصًا إلى العراق بعد تصريحات ترامب في قمة شرم الشيخ

مركز الفيض العلمي لاستطلاع الرأي والدراسات المجتمعية 2025

 

 

أولاً: المقدمة

 رؤية ترامب للعراق وثرواته الاقتصادية

منذ دخول دونالد ترامب الحياة السياسية، شكّل العراق أحد المحاور المركزية في خطابه الانتخابي والسياسي، غير أن رؤيته للعراق تختلف عن تلك التي تبناها أسلافه في البيت الأبيض؛ فهي رؤية اقتصادية براغماتية تقوم على مبدأ “المردود مقابل الجهد”، ففي خطاباته منذ عام 2016، لطالما عبّر ترامب عن قناعته بأن “الولايات المتحدة أنفقت المليارات في العراق ولم تحصل على شيء في المقابل”، وأنه كان ينبغي لأميركا أن “تستفيد من النفط العراقي لتغطية كلفة حروبها وجهودها العسكرية”.

بهذا المنطق التجاري السياسي، ينظر ترامب إلى العراق لا بوصفه ساحة صراع جيوسياسي فحسب، بل خزانًا اقتصاديًا هائلًا يمكن أن يُدار بعقلية “الصفقة” التي تميز فلسفته.

فالعراق في خطابه يمثل:

  • فرصة نفطية غير مستثمرة بالكامل، إذ يمتلك خامس أكبر احتياطي نفطي في العالم.

  • وسوقًا استهلاكية واعدة يمكن أن تستوعب المنتجات والشركات الأميركية.

  • وموقعًا جغرافيًا استراتيجيًا بين الخليج وبلاد الشام، ما يجعله محورًا لوجستيًا لأي مشروع أميركي في المنطقة.

وفي قمة شرم الشيخ (تشرين الاول 2025)، جدّد ترامب هذه الرؤية عندما قال إن:

 

 “العراق بلد غني بالنفط لكنه لا يعرف كيف يتصرف بثروته.”

 

 

وهو تصريح يعكس إيمانًا راسخًا لديه بأن العراق يعاني من سوء إدارة اقتصادية، وغياب الحوكمة الرشيدة، وهيمنة شبكات المصالح السياسية والإقليمية على موارده، ما يحول دون تحوّله إلى دولة مزدهرة ومستقرة.

ومن منظور ترامب، فإن ضعف الإدارة العراقية للثروات لا يشكّل خسارة للعراق وحده، بل فرصة لأميركا لتقديم نفسها كشريك منقذ قادر على “إعادة تنظيم” إدارة الموارد العراقية عبر مشاريع استثمارية أميركية ضخمة، وبذلك تصبح السياسة الأميركية تجاه العراق – وفق رؤية ترامب – اقتصادية في جوهرها، وسياسية في أدواتها، واستثمارية في أهدافها.

فهو لا يرى في العراق دولة يجب “حمايتها”، بل دولة يجب “تفعيلها اقتصادياً” بما يحقق مصالح متبادلة:

  • استقرار العراق واستثمار موارده.

  • وتحقيق نفوذ أميركي جديد قائم على الاقتصاد بدل الوجود العسكري.

 

من هنا يمكن فهم تعيين مارك سافايا مبعوثًا خاصًا للعراق كترجمة عملية لتلك الرؤية

ماذا يعني المبعوث الخاص؟

المبعوث الخاص هو شخصية دبلوماسية أو سياسية تُكلفها الدولة أو منظمة دولية بمهمة محددة خارج نطاق العمل الروتيني للسفارة، غالبًا للتعامل مع ملفات استراتيجية أو حساسة تتطلب متابعة مباشرة، يختلف المبعوث عن السفير التقليدي، فهو يتمتع باستقلالية أكبر في متابعة الملفات المكلف بها، وقد يكون من الدبلوماسيين المخضرمين أو من خارج السلك الدبلوماسي إذا كانت المهمة اقتصادية أو سياسية خاصة، ويعمل المبعوث بالتنسيق مع السفارة، حيث توفر له السفارة الدعم اللوجستي والسياسي، لكنه لا يحل محل السفير، بل يكمل دوره في القضايا المحددة، ويمكن أن يُرسل المبعوث في أوقات الأزمات لحل نزاعات أو إدارة ملفات طارئة، كما يمكن أن يكون دوره مستمرًا لمتابعة قضايا استراتيجية طويلة الأمد، تتعامل الدول المستقبلة مع المبعوث بمرونة مناسبة، تمنحه إمكانية الوصول إلى القيادات المختصة والتأثير في الملف المخصص له، مع الحفاظ على حدود النفوذ الدبلوماسي الرسمي.

 

 

كيف تتعاطى الدول مع المبعوث الخاص؟

تتعاطى الدولة المستقبلة مع المبعوث الخاص بأسلوب مرن وحذر في الوقت ذاته، إذ يُمنح المبعوث إمكانية الوصول إلى القيادات المعنية بالملف الذي كُلف به، ويتم توفير الدعم اللوجستي والسياسي اللازم لتسهيل مهمته، مع الحفاظ على حدود سيادة الدولة، وفي الوقت نفسه، تظل السفارة ممثلة للدولة المرسلة وتعمل كقناة رسمية للتواصل العام، وتنسق مع المبعوث لضمان انسجام الرسائل والقرارات. بهذا الشكل، يمكن للدولة المستقبلة التعامل مع المبعوث باعتباره متخصصًا في ملف محدد وذو صلاحيات محدودة، دون أن يُستبدل دور السفير أو يُقوض موقع السفارة الرسمي.

 

من هو مارك سافايا؟… المبعوث الخاص لترامب

  • هو رجل أعمال أميركي من أصل عراقي كلداني يعمل في ولاية ميشيغان، ويحظى بعلاقات سياسية قوية داخل الحزب الجمهوري الأميركي.

  • شغل–قبل تعيينه– في مجال تجارة الماريجوانا (الحشيش الترفيهي) من خلال سلسلة متاجر تُدعى “Leaf & Bud” وشركة “Future Grow Solutions” في ديترويت.

  • في 19 أكتوبر 2025 أعلن الرئيس الأميركي Donald Trump تعيينه “مبعوثاً خاصاً إلى جمهورية العراق”.

  • وقال ترمب إن “فهم مارك العميق للعلاقات بين العراق والولايات المتحدة وصلاته الواسعة في المنطقة” سيساعدان في “تعزيز مصالح الشعب الأميركي.

 

 

ثانيًا: من الخطاب إلى الفعل – البعد السياسي في تعيين سافايا

تعيين مارك سافايا جاء بعد سلسلة تصريحات من ترامب ومساعديه حول ضرورة “تصحيح العلاقة الاقتصادية مع بغداد”، ومن خلال هذا التعيين، تسعى واشنطن إلى:

  • نقل العلاقة مع العراق من الإطار الأمني إلى الاقتصادي، عبر مبعوث يفكر بعقلية رجال الأعمال لا السياسيين.

  • فتح الباب أمام الاستثمارات الأميركية في قطاع النفط والطاقة والبنية التحتية، وهي المجالات التي يراها ترامب محور الشراكة المستقبلية.

  • تحييد النفوذ الإيراني والصيني، اللذين تمكّنا خلال العقد الماضي من توسيع حضورهما في السوق العراقية.

  • بهذا التوجه، يصبح العراق– في ذهن ترامب– بوابة اقتصادية لتثبيت النفوذ الأميركي في (الشرق الأوسط) من جديد، ولكن بأدوات “ناعمة” قائمة على المصالح لا الاحتلال.

 

ثالثًا: أبعاد التصريح في قمة شرم الشيخ

يمكن النظر إلى تصريح ترامب في قمة شرم الشيخ بوصفه “إعلان نوايا” لاستراتيجية اقتصادية في العراق، تقوم على:

  • الاعتراف بالثروة العراقية.

  • والتشكيك في قدرتها على الإدارة.

  • وتقديم الولايات المتحدة كوصيّ اقتصادي محتمل أو شريك إصلاحي.

فهو بذلك يمهّد الطريق سياسيًا لأي تحرك لاحق- كالتعيين الأخير- ويمنح هذا التحرك شرعية “الحرص على مصلحة العراق”، في حين أن جوهره هو تحويل الموارد إلى نفوذ أميركي منظم ومربح.

 

 

رابعًا: الأهداف الاستراتيجية غير المعلنة

  • الهيمنة الاقتصادية بدل العسكرية: تحويل الوجود الأميركي في العراق من قوات ومعدات إلى شركات واستثمارات.

  • تحجيم “الدور الإيراني” بحسب رؤيتهم عبر إضعاف أدواته الاقتصادية في الداخل العراقي.

  • استعادة النفوذ الأميركي في ملف الطاقة الذي فقد زخمه لصالح العلاقات مع روسيا والصين في السنوات الأخيرة.

  • إعادة تسويق صورة أميركا كشريك اقتصادي “منقذ” لا قوة محتلة، بما يخدم مصالح ترامب الانتخابية أيضًا.

 

خامسًا: التحديات المحتملة

  • البيئة السياسية العراقية الهشة، التي لا تحتمل مبعوثًا بتوجه اقتصادي صريح دون اعتراضات داخلية.

  • تضارب المصالح الإقليمية، لا سيما مع إيران والصين، اللتين تملكان علاقات واسعة في الاقتصاد العراقي.

  • الافتقار إلى الخبرة الدبلوماسية لدى سافايا، ما قد يعرّض مهمته لمزالق سياسية.

 

الخاتمة

العراق بين مطرقة الحاجة وسندان النفوذ

يمكن القول إن رؤية ترامب للعراق تمثل تحوّلًا جوهريًا في المقاربة الأميركية: فبعد عقدين من التركيز على الملف الأمني ومكافحة الإرهاب، جاء ترامب ليحوّل البوصلة نحو الثروة النفطية والفرص الاقتصادية، وهو ينطلق من منطق بسيط مفاده أن “من يملك النفط يملك مفتاح الاستقرار”، وأن أميركا يمكن أن تعيد بناء نفوذها في المنطقة عبر الاقتصاد لا عبر الجيش.

لكن هذه الرؤية، رغم جاذبيتها الاقتصادية، تحمل في طيّاتها مخاطر سياسية واضحة:

  • إذ قد تُعيد إنتاج التبعية الاقتصادية للعراق للغرب بدل بناء استقلاله المالي.

  • وقد تُعمّق الانقسام الداخلي بين من يرى في الشراكة مع واشنطن فرصة، ومن يراها تهديدًا للسيادة.

ومع ذلك، فإن تعيين سافايا يرمز إلى بدء مرحلة جديدة في العلاقة الأميركية – العراقية،

مرحلة عنوانها: “النفط بوصفه جسرًا للنفوذ، والاستثمار بديلاً عن الاحتلال.”

وفي ضوء ذلك، تبدو تصريحات ترامب في قمة شرم الشيخ ليست مجرد نقد للعراق، بل خارطة طريق اقتصادية سياسية تعيد رسم موقع العراق في حسابات واشنطن، وتحوّله من ملف أمني متعب إلى مشروع استثماري واعد، ومن عبء جيوسياسي إلى كنز اقتصادي يبحث عمن يديره.

 

 

توصيات

على الدبلوماسية العراقية:

  • التمييز بين الأدوار: يُنظر إلى المبعوث الخاص كشخصية مكلفة بملف محدد، مستقلة في مهامها، دون أن تحل محل السفارة أو تمثل كامل الدولة المرسلة.

  • تعزيز التنسيق: تبقى قنوات الاتصال الرسمية مع السلك الدبلوماسي مفتوحة لضمان انسجام الرسائل وتماسك المواقف.

  • الحفاظ على المصالح الوطنية: تُراعى السيادة والملفات الحساسة، مع تقييم أي مقترحات أو مبادرات قبل اعتمادها أو تطبيقها.

  • الافادة من الخبرات: يُنظر إلى خبرة المبعوث وعلاقاته الخاصة كفرصة لتعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والسياسية، مع الحفاظ على رقابة متوازنة.

  • الموازنة السياسية: يُتبع أسلوب متوازن يجمع بين الانفتاح على التعاون والحذر من أي محاولات ضغط أو تدخل يتجاوز الاتفاقات الرسمية.

  • المتابعة والتقييم: يُوصى بمتابعة أداء المبعوث بشكل دوري لتحديد مدى فعالية التدخلات وضبط أي تجاوزات محتملة.

 

المصادر

  1. Kurdistan24 – Trump appoints Mark Savaya as special envoy to Iraq

  2. Shafaq News – Mark Savaya: Who is Trump’s special envoy to Iraq?

  3. Al Bawaba – Does Mark Savaya run marijuana shops in Detroit?

  4. Ultraiq – Trump names Detroit marijuana entrepreneur as envoy to Iraq

  5. Rudaw – Trump appoints Mark Savaya as special envoy to Iraq

  6. The Independent – Trump names Mark Savaya envoy to Iraq

  7. Shafaq News – Trump’s statement on Iraq’s oil management

  8. Al Monitor – U.S. policy toward Iraq under Trump

  9. Brookings Institution – U.S.-Iraq relations and energy politics

  10. Center for Strategic and International Studies (CSIS) – Iraq’s economic and political landscape

 

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى