حليمة يعقوب: تجربة قيادية غيّرت وجهة سنغافورة
دروس لبناء نموذج عراقي ناجح
بقلم: د. مصطفى سوادي جاسم
باحث في مركز الفيض العلمي لاستطلاع الرأي والدراسات المجتمعية
في بيئة عالمية تتسم بتسارع التحولات الاقتصادية والاجتماعية، وتنامي تحديات الهوية والعدالة الاجتماعية، برزت تجربة حليمة بنت يعقوب في سنغافورة كحدث تاريخي ذي أبعاد رمزية وعملية، فهي أول امرأة، وأول مسلمة محجبة، وأول شخصية من أصول ماليزية، تتولى منصب رئيس الدولة في تاريخ سنغافورة.
إن انتخابها عام 2017 لم يكن مجرد انتقال سياسي سلس، بل كان لحظة فارقة حملت دلالات عميقة في إعادة صياغة هوية الدولة وتعزيز شمولية الحكم، وربط التنمية الاقتصادية بالتماسك الاجتماعي.
يهدف هذا المقال إلى تحليل تجربة حليمة يعقوب ضمن خمسة محاور رئيسة، مع استخلاص الدروس التي يمكن أن تسهم في بناء تجربة عراقية ناجحة تستلهم القيم والممارسات التي طبقتها سنغافورة، مع مراعاة خصوصية البيئة العراقية.
أولًا: التمثيل الرمزي وإعادة تعريف الهوية الوطنية
التمثيل الرمزي (Symbolic Representation) هو أن يكون وجود شخصية أو مؤسسة في موقع معين رمزًا لفكرة أو قيمة أو هوية أكبر من مجرد الشخص نفسه، وفي حالة حليمة يعقوب، لم يكن انتخابها حدثًا عابرًا أو مجرد اختيار سياسي، بل حمل أبعادًا رمزية عميقة:
-
النوع الاجتماعي: كونها أول امرأة تصل إلى منصب رئيس الدولة في تاريخ سنغافورة.
-
الهوية الدينية: كونها مسلمة ومحجبة في دولة ذات أغلبية غير مسلمة، أرسل رسالة عالمية بأن التعدد الديني لا يتعارض مع القيادة الوطنية.
-
الهوية العرقية: انتماؤها للأقلية الملايوية، في بلد تهيمن عليه الأغلبية الصينية.
-
الخلفية الاجتماعية: نشأتها في أسرة فقيرة، حيث كانت ابنة لبائع يعمل في متجر صغير، وتعرضت لليتم في سن مبكرة.
الدروس للعراق: العراق، بتركيبته المتنوعة طائفيًا وعرقيًا، يمكن أن يستفيد من هذا الدرس من خلال تمكين القيادات من خلفيات مختلفة للوصول إلى مواقع صنع القرار، بما يعزز شعور جميع المكونات بالمشاركة الفعلية في إدارة الدولة.
ثانيًا: تمكين الفئات المهمشة وتحويل الخطاب إلى برامج عملية
-
المعنى النظري للتمكين
التمكين (Empowerment) في العلوم السياسية والاجتماعية يعني منح الأفراد أو الفئات المستضعفة القدرة على التأثير في حياتهم واتخاذ قراراتهم، من خلال إتاحة الموارد والفرص، وتغيير البنى الاجتماعية والسياسية التي تعيق مشاركتهم الفاعلة، وفي الدول الحديثة، لا يكفي إعلان دعم المهمشين، بل يجب تحويل الخطاب إلى سياسات عامة قابلة للتنفيذ، وبرامج ميدانية تقاس نتائجها بالأرقام.
-
لماذا ركزت حليمة يعقوب على المهمشين؟
سنغافورة دولة ناجحة اقتصاديًا، لكنها تواجه تحديات مثل:
-
فجوة الدخل بين الطبقات.
-
ضعف تمثيل النساء والأقليات في القيادة.
-
قضايا ذوي الإعاقة وكبار السن في مجتمع يتجه للشيخوخة السكانية.
-
تهميش بعض الأسر ذات الدخل المحدود في التعليم والصحة.
حليمة، بحكم خلفيتها الاجتماعية (نشأت يتيمة في بيئة فقيرة)، كانت أكثر حساسية لهذه القضايا، فجعلت من تمكين المهمشين جوهر أجندتها الرئاسية.
-
استراتيجيات التمكين التي اعتمدتها حليمة يعقوب
-
التمكين الاقتصادي
-
دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تملكها نساء أو شباب من خلفيات متواضعة.
-
برامج تدريب مهني تستهدف العاطلين عن العمل، مع منح وحوافز للتوظيف.
-
توفير حوافز ضريبية للشركات التي توظف ذوي الإعاقة أو كبار السن.
-
التمكين الاجتماعي
-
حملات توعية لرفع مكانة المرأة في المجتمع.
-
تعزيز ثقافة احترام التنوع الديني والعرقي عبر المدارس ووسائل الإعلام.
-
دمج ذوي الإعاقة في الفعاليات الوطنية والرياضية والثقافية.
-
التمكين القانوني والسياسي
-
الدفع نحو تشريعات تمنع التمييز في التوظيف على أساس الجنس أو الدين أو العرق.
-
إنشاء قنوات تواصل مباشرة بين مكتب الرئيس والمجتمع المدني لعرض شكاوى ومقترحات المهمشين.
-
التمكين الخدمي
-
تحسين الوصول إلى الرعاية الصحية للفئات ذات الدخل المنخفض.
-
تقديم منح تعليمية للأطفال من أسر فقيرة.
-
تسهيل النقل العام لكبار السن وذوي الإعاقة.
-
من الخطاب إلى البرامج العملية
ميزة حليمة يعقوب أنها لم تكتفِ بالخطاب الأخلاقي أو الشعارات، بل وضعت إطارًا عمليًا:
-
تحديد الفئة المستهدفة بدقة: بدل الحديث العام عن “الفقراء”، وضعت خرائط للفئات المحتاجة (الأسر ذات الدخل المحدود– ذوو الإعاقة– النساء المعيلات)
-
إطلاق مبادرات قابلة للقياس: مثل برنامج “Picnic@Istana” الذي يجمع الأطفال من البيئات الفقيرة في القصر الرئاسي، وبرامج منح تعليمية محددة بأعداد المستفيدين.
-
تخصيص ميزانيات واضحة: بالتعاون مع الوزارات والمؤسسات الخيرية.
-
متابعة دورية: عبر تقارير سنوية لقياس مدى التحسن في أوضاع الفئات المستهدفة.
-
الأثر الاجتماعي والسياسي
-
اجتماعيًا: ارتفع وعي المجتمع بحقوق المهمشين، وأصبح من المألوف رؤية النساء وذوي الإعاقة في مواقع قيادية أو فعاليات وطنية.
-
سياسيًا: عززت هذه المبادرات الثقة بين الحكومة والمواطنين، ورسخت صورة القيادة القريبة من الناس.
الدروس للعراق: العراق يمتلك فئات مهمشة واسعة:
-
النساء في المناطق الريفية أو المحافظات التي تعاني ضعف التنمية.
-
الشباب العاطلون عن العمل رغم المؤهلات.
-
ذوو الإعاقة وكبار السن دون دعم كافٍ.
-
الأقليات الدينية والعرقية التي تعاني ضعف التمثيل.
ما يمكن للعراق فعله مستفيدًا من تجربة سنغافورة:
-
إنشاء هيئة وطنية لتمكين المهمشين تكون مستقلة ماليًا وإداريًا، تتعاون مع الوزارات والمجتمع المدني.
-
إطلاق برامج تمكين اقتصادية مرتبطة بتمويل صغير (Microfinance) ومشاريع تشغيلية.
-
سنّ تشريعات صارمة ضد التمييز في العمل والخدمات.
-
تخصيص ميزانية سنوية معلنة للمبادرات الموجهة للفئات الضعيفة.
-
قياس الأثر بالبيانات: وضع مؤشرات سنوية (عدد الوظائف المولدة– نسب التعليم– نسب الافادة من الرعاية الصحية).
-
الفرق بين التمكين الحقيقي والتمكين الصوري
الصوري: برامج إعلامية أو حملات مؤقتة دون أثر ملموس أو متابعة.
الحقيقي: سياسات دائمة، بتمويل مستمر، وتقييم سنوي، وربط الدعم بنتائج ملموسة.
حليمة يعقوب تمثل التمكين الحقيقي لأنها ربطت حضورها السياسي بخدمات عملية للفئات المستضعفة، ووضعت سياسات تضمن استمرارها حتى بعد انتهاء ولايتها.
ثالثًا: إعادة تعريف الجدارة ومكافحة الطبقية
-
الجدارة التقليدية ومعضلة النخبوية
في كثير من المجتمعات، تُعرَّف “الجدارة” أو “الاستحقاق” استنادًا إلى مقاييس محدودة وموروثة، مثل:
-
الانتماء الطبقي أو العائلي.
-
التعليم في مؤسسات نخبوية محدودة.
-
الثروة الموروثة أو النفوذ السياسي.
هذه المعايير تعيد إنتاج النخب نفسها، فتظل مواقع القيادة حكراً على فئة صغيرة، بينما تُقصى الكفاءات الحقيقية من الفئات الأقل حظًا.
-
التجربة السنغافورية في إعادة صياغة مفهوم الجدارة
تولي حليمة يعقوب، وهي ابنة أسرة فقيرة، منصب رئاسة سنغافورة مثّل إعادة تعريف عميقة للجدارة. فقد أظهرت أن:
-
التفوق في الأداء والخبرة المهنية يمكن أن يتفوق على الاعتبارات الطبقية أو الانتماءات النخبوية.
-
القيادة ليست حكراً على من يمتلكون الثروة أو يأتون من عائلات سياسية، بل على من أثبتوا التزامهم بخدمة المجتمع.
-
معيار الجدارة تحوّل من “من أنت” إلى “ماذا قدمت” و”كيف أثرت في الناس”.
هذا التغيير أحدث تحولًا ثقافيًا، إذ بعث برسالة قوية بأن الدولة تقف إلى جانب الكفاءة والإنجاز، لا إلى جانب الامتيازات الموروثة.
-
مكافحة الطبقية كضرورة لبناء دولة عادلة
الطبقية لا تضعف فقط فرص الأفراد، بل تؤثر على التماسك الاجتماعي، حيث تخلق فجوة بين “النخبة” و”الشعب”. مكافحة الطبقية لا تعني فقط توفير فرص عمل أو تعليم، بل تشمل:
-
كسر الاحتكار المؤسسي: فتح الوظائف العليا والمناصب للمتفوقين بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية.
-
إصلاح التعليم: ضمان ألا يكون النجاح الأكاديمي حكرًا على من يستطيع دفع تكاليف المدارس النخبوية.
-
إعادة توزيع الرموز الوطنية: بحيث يرى المواطن أن وجه الدولة يمثله، لا يمثل فقط شريحة مميزة.
دروس للعراق: إعادة تعريف الجدارة ومكافحة الطبقية في العراق يمكن أن يتجسد عبر خطوات عملية:
-
آليات اختيار القادة: وضع معايير شفافة تعتمد على الإنجاز والخبرة، لا على الولاء الحزبي أو النفوذ القبلي.
-
منصات لاكتشاف الكفاءات المهمشة: إنشاء برامج وطنية لاكتشاف المواهب من الأرياف والمناطق المحرومة، وتوفير دعم أكاديمي ومهني لهم.
-
تغيير صورة القائد في الإعلام: إظهار شخصيات قيادية من أصول متواضعة ألهمت المجتمع بإنجازاتها.
-
مكافحة الامتيازات الموروثة: وضع قوانين تحد من احتكار عائلات أو مجموعات معينة لمفاصل السلطة والاقتصاد.
-
من الخطاب إلى الثقافة المؤسسية
في سنغافورة، لم يكن نجاح حليمة يعقوب حدثًا رمزيًا فقط، بل تحول إلى قاعدة تفكير سياسي واجتماعي:
-
برامج ترقية قيادات من القطاع العام بغض النظر عن خلفياتهم.
-
دعم سياسات الإسكان والصحة والتعليم للفئات الدنيا لضمان تساوي نقطة الانطلاق.
-
نشر قصص النجاح من البيئات الفقيرة لإلهام الأجيال.
في العراق، يمكن تحويل مكافحة الطبقية من شعار إلى ثقافة مؤسسية إذا ارتبطت بسياسات تعليمية واقتصادية عادلة، وبتشريعات تقلل من الفوارق المفرطة في الثروة والفرص.
رابعًا: التكنولوجيا كأداة للعدالة الاجتماعية
-
مفهوم التكنولوجيا في خدمة العدالة الاجتماعية
التكنولوجيا لم تعد مجرد أداة إنتاج أو رفاهية، بل تحولت إلى وسيلة استراتيجية لتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال:
-
توسيع الوصول إلى الخدمات (التعليم، الصحة، المعلومات).
-
تمكين الفئات المهمشة عبر منصات رقمية تعطيهم صوتًا وتأثيرًا في القرارات.
-
إزالة الحواجز المكانية التي كانت تمنع المشاركة السياسية أو الاقتصادية.
في سنغافورة، دعمت حليمة يعقوب التحول الرقمي كجزء من رؤية شاملة لدمج التكنولوجيا في السياسات الاجتماعية، ليس فقط لتحسين الكفاءة، بل لضمان المساواة في الفرص.
-
آليات توظيف التكنولوجيا للعدالة الاجتماعية
يمكن تقسيم الآليات إلى أربع مستويات:
أ- التكنولوجيا كأداة تمكين: توفير التعليم الرقمي للطلاب في المناطق النائية، وإطلاق منصات تدريب إلكترونية تتيح إعادة تأهيل العاملين أو تطوير مهارات العاطلين.
ب- التكنولوجيا كأداة رقابة ومساءلة: إنشاء منصات تقديم الشكاوى والمقترحات إلكترونيًا لضمان وصول صوت المواطن مباشرة للسلطات، واستخدام تحليلات البيانات الضخمة لرصد الفقر، البطالة، أو التمييز ومعالجته بقرارات قائمة على الأدلة.
ج- التكنولوجيا كجسر للمشاركة: تعزيز المشاركة السياسية من خلال الاستشارات الإلكترونية أو التصويت الرقمي الآمن، وربط المواطن بالمؤسسات عبر التطبيقات الحكومية الشفافة.
د- التكنولوجيا كأداة لإعادة توزيع الفرص: ربط رواد الأعمال الصغار بالأسواق العالمية عبر التجارة الإلكترونية، ودعم المشاريع الصغيرة بالقروض الرقمية الصغيرة (Microfinance Apps).
-
التجربة السنغافورية في التكنولوجيا والعدالة الاجتماعية
-
حليمة يعقوب رأت أن “العدالة الرقمية” هي امتداد طبيعي للعدالة الاجتماعية، فعملت على:
-
دعم مبادرات الحكومة الذكية التي تدمج البيانات الضخمة في السياسات الاجتماعية.
-
الاستثمار في التعليم الرقمي كمحرك لتكافؤ الفرص.
-
ضمان إمكانية الوصول الرقمي للجميع بما فيهم كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة.
-
إسقاط التجربة على العراق: للإفادة من التجربة السنغافورية في العراق، يمكن:
-
إطلاق منصات حكومية موحدة لتقديم الخدمات الاجتماعية إلكترونيًا، مع ضمان الوصول حتى في المناطق النائية.
-
تدريب الفئات المهمشة على المهارات الرقمية، ما يفتح أمامهم أسواق عمل جديدة.
-
إنشاء مراكز بيانات وطنية لرصد مؤشرات الفقر والتمييز وتوجيه الدعم بدقة.
-
دمج التكنولوجيا في برامج مكافحة الفساد من خلال الشفافية الرقمية.
-
تحفيز المبادرات الشبابية الرقمية لدعم حلول محلية لمشاكل اجتماعية.
خامسًا: تعزيز التماسك الاجتماعي وصناعة الانتماء
التماسك الاجتماعي هو العمود الفقري لأي دولة تسعى إلى الاستقرار والتنمية، إذ يخلق شبكة من الثقة والاحترام المتبادل بين فئات المجتمع، ويمنح الأفراد شعورًا بأنهم جزء من مشروع وطني أكبر من مصالحهم الفردية. تجربة حليمة يعقوب في سنغافورة أظهرت أن القيادة يمكن أن تتحول إلى محفزٍ مباشر لبناء هذا التماسك من خلال سياسات وممارسات واعية تستثمر في الإنسان أولًا.
في فترة رئاستها، عملت حليمة على ربط قيم التنوع الثقافي بالهوية الوطنية الجامعة، بحيث لم تعد الفوارق الدينية أو العرقية خطوط فصل، بل عناصر إثراء. على سبيل المثال، كانت تحرص على حضور المناسبات الدينية المتنوعة بنفس الدرجة من الاهتمام، مما وجه رسالة قوية بأن كل مكوّن من مكونات المجتمع هو ركيزة أساسية في البيت الوطني. هذا النوع من الحضور الرمزي ليس شكليًا، بل يحمل أثرًا نفسيًا طويل المدى على الشعور بالانتماء لدى الفئات المختلفة.
على المستوى العملي، عززت حليمة مفهوم التماسك عبر برامج تشجع الحوار بين الثقافات والأجيال، وتبني مبادرات مجتمعية تشاركية تتيح للأفراد من خلفيات متباينة العمل معًا نحو أهداف مشتركة. فالمشاريع البيئية، أو المبادرات الشبابية، أو برامج الدعم الاجتماعي، كانت تنفذ بطريقة تدمج المجموعات المختلفة بدل أن تترك كل فئة في عزلة عن الأخرى.
بالنسبة للعراق، فإن الإفادة من هذا النموذج تتطلب:
-
خلق رموز وطنية جامعة، سواء كانت قيادات سياسية أو ثقافية أو حتى رموز من الفنون والرياضة، تعكس التنوع وتؤكد على وحدة الهدف.
-
إطلاق منصات للحوار المجتمعي تجمع الشباب والكبار، الحضر والريف، من مختلف المذاهب والقوميات، لتبادل الرؤى حول مستقبل مشترك.
-
برامج تطوعية وطنية تشرك الجميع في خدمة الصالح العام، مثل حملات النظافة، حملات التشجير، أو دعم التعليم في المناطق النائية، بحيث يشعر الفرد أن مساهمته لها قيمة وطنية.
-
بهذه الطريقة، يصبح الانتماء شعورًا معاشًا يوميًا، لا مجرد شعار يتردد في المناسبات. فالتماسك الاجتماعي لا يُبنى بالخطاب فقط، بل بصناعة تجارب مشتركة تجعل المواطن يشعر أن مصلحته الشخصية مرتبطة مباشرة بمصلحة الوطن.
التحديات التي واجهتها التجربة السنغافورية
رغم نجاح تجربة حليمة يعقوب، إلا أنها واجهت تحديات، أبرزها:
-
انتقادات بشأن آلية انتخابها بالتزكية بدل الانتخاب المباشر.
-
صعوبة إحداث تغييرات جذرية في ظل النظام السياسي البرلماني حيث الصلاحيات التنفيذية محدودة.
انعكاس ذلك على العراق: يدرك العراق أن نجاح أي تجربة إصلاحية يتطلب توافقًا سياسيًا، وبيئة قانونية داعمة، وإرادة شعبية حقيقية، إضافة إلى آليات شفافة للمساءلة.
الخاتمة
إن التجربة السنغافورية بقيادة حليمة يعقوب تبرهن أن العدالة الاجتماعية ليست مفهومًا نظريًا أو شعارًا سياسيًا، بل منظومة عمل متكاملة تبدأ بالتمثيل الرمزي العادل، وتمكين الفئات المهمشة، وإعادة تعريف معايير الجدارة، وتوظيف التكنولوجيا لخدمة المساواة، وصولًا إلى تعزيز التماسك الاجتماعي وصناعة الانتماء، لقد نجحت هذه التجربة في تحويل التنوع إلى قوة، والخطاب إلى برامج عملية، والقيادة إلى جسر يربط بين الدولة والمواطن.
بالنسبة للعراق، فإن الإفادة من هذه التجربة تتطلب إرادة سياسية صادقة، واستثمارًا ذكيًا في البنية الاجتماعية والثقافية، وتبني مشاريع جامعة تعكس التنوع وتحوله إلى مصدر ثراء وابتكار، وحين يصبح كل مواطن، بغض النظر عن أصله أو مذهبه أو طبقته، جزءًا فاعلًا في مشروع وطني جامع، وحين تتحول مفاهيم العدالة والمساواة إلى ممارسة يومية في المؤسسات والفضاء العام، عندها فقط يمكن للعراق أن يبني نموذجًا ناجحًا ومُلهمًا للمنطقة والعالم، تمامًا كما فعلت سنغافورة ولكن بخصوصيته التاريخية والحضارية.
المراجع
-
Tan, Kevin Y. L. (2018). The Presidency in Singapore: Constitutional Development, Legal Framework, and Political Practice. Singapore Academy of Law Journal.
-
Mutalib, Hussin (2012). Singapore Malays: Being Ethnic Minority and Muslim in a Global City-State. Routledge.
-
Barr, Michael D. (2019). Singapore: A Modern History. I.B. Tauris.
-
Chua, Beng Huat (2003). Multiculturalism in Singapore: An Instrument of Social Control. Race & Class, 44(3).
-
Ng, Irene (2017). Halimah Yacob: The People’s President. The Straits Times.
-
International Labour Organization (2022). Speech by President Halimah Yacob at the 17th Asia-Pacific Regional Meeting.
-
Chan, Heng Chee (2021). Digitalisation and Social Inclusion in Singapore. Lee Kuan Yew School of Public Policy Papers.
-
World Bank (2023). Singapore Digital Economy Strategy.
-
Teo, You Yenn (2018). This Is What Inequality Looks Like. Ethos Books.
-
President Halimah Yacob (2023). Address to Parliament on the Need to Broaden Meritocracy.