عالم جديد تمامًا (التعليم يلتقي مع الميتافيرس)
مركز التعليم الشامل في معهد بروكينغز
موجز سياسات 2022
بقلم: كيثي هيرش باسيك، جنيفير م. زوش، روبيرتا م. غولنكوف، شوي هاداني، كيفين كلارك، شيب دونهو، الين فارتيلا
الميتافيرس* أصبح واقعًا أمامنا، قريبًا سيكون حاضرًا بشكل لا يقل عن تطبيقات مثل تيك توك، إنستغرام، وفيسبوك (الذي أصبح الآن “ميتا”)، مع تقدم التكنولوجيا وتوفير عوالم غامرة وخيالية جديدة، يجب أن تتطور طرائق تعليم الأطفال وتحضير المعلمين لمواكبة هذه الفرص الجديدة، عندما يتأخر التعليم عن هذه القفزات الرقمية، تصبح التكنولوجيا هي التي تحدد ماهية الفرصة التعليمية بدلاً من المعلمين، وهذا ما حدث إلى حد كبير مع ظهور تطبيقات “تعليمية” صُممت للاستخدام على الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية المخصصة للكبار، واليوم، بينما لا تزال بنية الميتافيرس التحتية قيد الإنشاء، تتاح للباحثين، والمعلمين، وصانعي السياسات، والمصممين الرقميين فرصة لقيادة المسار بدلاً من الوقوع ضحية لتقلبات التكنولوجيا، لاستغلال إمكانيات الميتافيرس كمساحة ثلاثية الأبعاد، وعالمية، ومتصلة، وغامرة، وفي الوقت الحقيقي عبر الإنترنت، نحتاج إلى طرق جديدة لربط العالم المادي بتجارب الواقع المعزز والواقع الافتراض، في هذا الموجز السياسي، نقدم مسارًا لدمج أفضل الممارسات التعليمية داخل الميتافيرس، نقترح مجموعة من المبادئ المستمدة من علوم التعلم حول كيفية وما يتعلمه الأطفال لتوجيه تصميم التكنولوجيا التعليمية الجديدة، كما نشير إلى طرائق يمكن أن ينحرف فيها التصميم في هذا الفضاء الجديد وفي النهاية، نتحدى من يصنعون المنتجات التعليمية للميتافيرس بالتعاون مع المعلمين والعلماء لضمان تجربة الأطفال لتفاعل بشري حقيقي أثناء تنقلهم في الفضاءات الافتراضية، ودعم وكالة الأطفال في استكشاف هذه الفضاءات، مع مراعاة التنوع في التمثيل والوصول إلى المحتوى المقدم.
رؤية
تخيل صفًا دائريًا محاطًا بألواح بيضاء ومزودًا بكراسي قابلة للتحريك، الطلاب المتحمسون مأسورون بحكايات الأساطير اليونانية، وقوة زيوس إله السماء، وقصص هرقل العظيم- ابنه- الذي كانت قوته أسطورية، فجأة، يُعرض على وسط الأرضية خط زمني، يرفع الأطفال كراسيهم ويقفزون إلى الحاضر، مستعدين للعودة بالزمن إلى عام 300 قبل الميلاد- عام سيشهدون فيه واقعًا جديدًا، يدخلون عالم الميتافيرس للحضارة اليونانية، تمر العربات بجانبهم، والتجار في الأسواق يحيطون بهم، وعلى قمة التل يرون بأعينهم معابد الآلهة والناس الذين يعبدونهم، يستكشفون، يطرحون الأسئلة، يتأملون، ويتعلمون! تم تصميم هذه التجربة لإثارة فضول الطلاب، لكن تبقى هناك أسئلة: “كيف يمكننا معرفة غنى الحياة اليونانية؟ إذا لم نعيش هناك، كيف نكتشف ماذا كان يُباع في السوق وأي الآلهة كانت الأهم؟”
ثم يقوم المعلم بوضع كل طفل على الخط الزمني ليعودوا إلى الحاضر، تتحول الجدران المحيطة بهم إلى صور من الغبار البني حيث يرون معابد قديمة مدمرة وأجزاء من أعمدة متناثرة على الأرض، تُمنح كل طفلة فرصة لتصبح عالمة آثار، باستخدام صورتها الرمزية (الأفاتار*) للبحث عن إجابات لسؤال كيف نبني الماضي بينما نحن عالقون تمامًا في الحاضر، يتم تجهيز الأفاتارات بمعول وفرشاة، ويُعطى كل طفل قطعة أرض ليحرثها، يواصل المعلم: “المجتمع الذي شاهدتموه، مثل كل المجتمعات في الأزمنة الماضية، دفن تحت التراب كل طبقة من التراب تشبه كتاب قصة يمكنكم الكشف عنه وتركيبه معًا، وبعد ذلك يبدأ الأطفال في تحريك صورهم الرمزية ويفحصون التراب بطريقة جديدة- بطريقة حذرة وفضولية، يجد كل منهم شظايا من الفخار وحتى وجوهًا جزئية لتماثيل كانت قائمة يومًا ما، بعد عشرين دقيقة من العمل في التراب، يعرضون اكتشافاتهم على باقي طلاب الصف، تتضمن الفرص التعليمية التعاون والتشارك في الإبداع داخل الفضاءات التعليمية الافتراضية والحقيقية التي بنوها معًا، وبينما يجمعون هذه الشظايا كأنهم يحلون لغزًا تاريخيًا، يعثرون على إناء وتمثال، يتعلمون أن الأساطير كانت أكثر من مجرد قصص- كانت جزءًا من دين قديم يسمى الوثنية الذي مارسه الناس الحقيقيون في زمن أصبح الآن مدفونًا تحت سطح الأرض، علماء الآثار مثلهم ساعدوا في إعادة اكتشاف ذلك المجتمع، ومن ثم هذا التعلم العميق والقابل للنقل عبر الزمن يبقى معهم مدى الحياة، ويأتي إلينا بفضل الميتافيرس الذي يُقدم في بيئة لعب هادفة وموجهة، والتي قد تمثل مدرسة المستقبل، لكن نلاحظ أن التفاعل هنا اجتماعي بطبيعته مع وجود أشخاص حقيقيين وتفاعلات حية في اللحظة نفسها، مشحونة بالعواطف، ولا تنس أن المعلمين ما زالوا ضروريين لهذه التجربة، لا تخطئ في الأمر، فالميتافيرس قادم، ومهمتنا أن نحدد كيف يعزز الانخراط في هذا العالم الافتراضي المستمر التعليم بدلاً من أن يقلل منه، وكيف يمكن الحفاظ على الخصائص الاجتماعية التفاعلية الأساسية التي هي جوهر طريقة تعلم البشر.
تعريف الميتافيرس
قدمت مجلة فوربس تعريفات متنوعة للميتافيرس من قادة التكنولوجيا، كل منهم يتحدث عن مساحة تجمع بين العالم الافتراضي والواقعي- مما يخلق “المساحة الثالثة”، كما أشار عالم الاجتماع راي أولدنبرغ، وهي ليست المنزل ولا مكان العمل، يتيح تطور سرعة الإنترنت من الجيل الخامس (5G) فرصة حقيقة للأفراد لمشاركة ألعابهم أو منتجاتهم مع العالم بأسره، حتى الآن هناك بعض النماذج الأكثر رسوخًا لما هو قادم، مثل الألعاب الشهيرة Minecraft وFortnite وRoblox. على سبيل المثال، توفر Roblox ثروة من الفرص للألعاب، حيث جذبت هذه الألعاب أكثر من 42 مليون مستخدم نشط، بزيادة تزيد على 19% منذ عام 2019، ويسعى مبدعو Roblox لجذب المتابعين الذين سيستخدمون ألعابهم ويسهمون في زيادة شهرتها وانتشارها.
تسلط عدة أمثلة أخرى الضوء على قوة الميتافيرس التي تتغير يوميًا، تقدم Virbela مساحات افتراضية للاجتماعات وحتى حفلات الزفاف، كما أثارت Nike ضجة عندما أنشأت “Nikeland” على منصة Roblox مع تبسيط استخدام منصات الواقع الافتراضي (VR) وزيادة ترابطها، من المتوقع أن تزداد أعداد المستخدمين، فضلا عن ذلك مع تطور ملحقات الواقع الافتراضي مثل نظارات VR لتصبح أقل إزعاجًا، من المتوقع توسيع استخدامها واحتضانها في بيئات التعليم، لذلك من الضروري التفكير في كيفية افادة الباحثين لتوجيه مصممي هذه التقنيات لضمان أن تكون المنتجات التعليمية المستقبلية في الميتافيرس عالية الجودة ومُحسنة.
التعلم من ويب 2.0 وتطور “التطبيقات التعليمية“
في عام 1997، قدم هاتف نوكيا 6110 أول تطبيق لعبة محمول باسم “Snake”. وفي عام 2007، شهد سوق التطبيقات انطلاقة حقيقية بعد ظهور iPhone، وتوسع أكثر مع وصول iPads في 2011. وبحلول عام 2015، عندما كتب فريق البحث لدينا سلسلة من المبادئ التوجيهية لتطوير تطبيقات تعليمية حقيقية، كان السوق قد غمره أكثر من 80,000 تطبيق يُزعم أنها تعليمية، ولكن الغالبية العظمى منها لم تكن مدعومة بأبحاث ترتبط بعلم كيفية تعلم الأطفال، تم تصميم هذه التطبيقات أساسًا للاستخدام من قبل البالغين، وليس كفرص تعليمية للأطفال، وحتى اليوم، يستخدم المصممون مصطلح “تعليمي” بسهولة لوصف منتجات لا يرى العديد من العلماء أن لها ارتباطًا حقيقيًا بالتعليم، لذا نقترح في هذا المقال اربعة مبادئ لإنشاء تطبيق تعليمي جيد، وهذه المبادئ استندت إلى توافق علمي حول كيفية تعلم الأطفال، وكتبنا هنا يبدأ عرض المبادئ التي ينبغي اتباعها في التصميم التعليمي.
-
التعلم يجب أن يكون نشطًا وليس سلبيًا، حيث يتعلم الأطفال بشكل أفضل في بيئات تعتمد على “التفكير الذهني”. وهذا يعني أن مجرد تمرير إصبع على الشاشة لا يُعد حركة “نشطة” في بيئة تعليمية.
-
يجب أن يكون التطبيق مشوقًا وليس مشتتًا، وأن يتضمن فقط العناصر التي تندمج بشكل متكامل مع قصة اللعبة أو الدرس أو الحبكة، كثير من التطبيقات في السوق كانت تقطع سرد القصة لتطرح أسئلة على الأطفال مثل (“ما الأشياء الحمراء الأخرى أو التي تبدأ بحرف ب؟”) أو تعرض إعلانات تجارية مزعجة تشغل الأطفال وتحفزهم على شراء تطبيقات أخرى.
-
يجب أن يلامس التطبيق شيئًا ذا معنى للطفل، أي أن يكون هناك نقطة اتصال تسمح للأطفال بربط محتوى التطبيق بما يعرفونه، بدلاً من البدء من الصفر في فضاء غريب عليهم.
-
أخيرًا، يجب أن يشجع التطبيق التفاعل الاجتماعي داخل التطبيق أو خارجه، وليس اللعب الفردي فقط.
في عام 2018، تم توسيع هذه المبادئ لتشمل أن يكون التعلم تكراريًا، بحيث يشجع التطبيق الأطفال على تحقيق الهدف التعليمي عبر مسارات مختلفة أو يسمح بتجربة مشابهة لكنها مختلفة قليلاً في كل مرة يستخدمون فيها التطبيق، وأيضًا يجب أن تكون التجربة مليئة بالفرح، لأن الأطفال يتعلمون بشكل أفضل عندما يكونون متحفزين بالمتعة، تتجمع هذه المبادئ– النشط، المشوق، ذو المعنى، التفاعلي اجتماعيًا، التكراري، والممتع تحت مصطلح “التعلم المرح”، وهو مصطلح شامل مستند إلى العلم يدمج كيفية تعلم الأطفال من خلال اللعب الحر واللعب الموجه، لكن المفتاح لجعل هذه التطبيقات تعليمية حقًا يتطلب خطوة إضافية، كما يحدث التعلم بشكل أفضل عندما يكون النشاط المرح مصحوبًا بهدف تعليمي واضح، سواء في مجالات العلوم التكنولوجيا، الهندسة، الرياضيات، أو مهارات مثل الذاكرة، الانتباه، والتفكير المرن.
ومن الجدير بالذكر بحلول عام 2021، قامت فرق البحث بقيادة ماريسا ماير وجيني راديسكي بمراجعة أكثر التطبيقات التعليمية تحميلًا من متاجر مثل Google Play وApple، لمعرفة مدى تطبيق هذه المبادئ في التطبيقات الحالية المتاحة للأطفال، للأسف لم تكن النتيجة إيجابية، نصف التطبيقات المدفوعة الأعلى تحميلًا للأطفال الصغار صنفت في فئة الجودة المنخفضة، ولم تحصل سوى 7 تطبيقات على تصنيف عالٍ جدًا، أما التطبيقات المجانية فكانت أسوأ حالًا.
وخلاصة ذلك أن مطوري ما يسمى بالتطبيقات التعليمية والعلماء الذين يدرسون كيفية تعلم الأطفال لا يتواصلون بشكل فاعل مع بعضهم البعض، رغم محاولات المؤلفين لتغيير هذا الواقع، حتى الأوراق البحثية المتاحة على نطاق واسع لم تغير المسار، الدرس المستفاد هو أن الفجوة التي استمرت أربع سنوات بين سيطرة التطبيقات على نشاط الأطفال وانخراط المجتمع العلمي كانت طويلة جدًا، مما سمح بانتشار مواد تعليمية منخفضة الجودة، تم إطلاق هذه التطبيقات بسرعة إلى السوق، إن الكم الهائل من المنتجات المتاحة جعل من الصعب إن لم يكن من المستحيل- على الآباء والمعلمين تصفح الخيارات للعثور على منتجات تعليمية حقيقية.
ومن الضروري في هذه اللحظة، مع تطور عالم الميتافيرس، أن يتعاون العلماء والمعلمون والمطورون في بناء فرص تعليمية تفاعلية، غامرة، وتعاونية تفيد الأطفال والعائلات، فهم كيفية دعم الأهداف التعليمية من خلال استثمار القوة الكامنة في سياقات تعليمية نشطة، مشوقة، ذات معنى، تفاعلية اجتماعيًا، متكررة وممتعة، سيحول التجارب الرقمية اللامعة والمسلية إلى تجارب تعليمية حقيقية تتمحور حول التفاعل الاجتماعي الحقيقي، وقد أكدت تجربة التعلم عن بُعد على أهمية التفاعل الاجتماعي- العاطفي للأطفال وضرورة تضمينه في تصميم الميتافيرس منذ البداية.
إعادة صياغة مبادئ التعلم
مبادئ تعلم الأطفال ثابتة سواء تم تطبيقها في الصفوف الدراسية، الألعاب الرقمية، أو البيئات المجتمعية، بما في ذلك تصميم التعلم المرح في الأماكن العامة مثل مواقف الحافلات، الحدائق، أو حتى الميتافيرس، توصلت مجموعة من أصحاب المصلحة في مجال التعليم، بما في ذلك الباحثين في التعلم والتنمية، المعلمين، وأصحاب العمل إلى توافق على أن النجاح في سوق العمل المستقبلية سيتطلب إتقان مجموعة من المهارات التي أطلقت عليها مؤسسة بروكينغز مصطلح “المهارات لعالم متغير” تشمل هذه المهارات التعاون، التفكير النقدي، والابتكار الإبداعي، والتي توسع مفهوم الإنجاز بعيدًا عن المواد الأكاديمية الأساسية مثل القراءة والرياضيات، ففي ورقة بحثية نشرتها مؤسسة بروكينغز، قدمت هيرش- باسيك وزملاؤها قيمة التعلم المرح في تعزيز مجموعة المهارات التي أطلقت عليها روبيرتا غولينكوف وهيرش- باسيك اسم “6Cs”. ويشير الادعاء إلى أن المنتجات التعليمية والصفوف الدراسية ركزت بشدة على المحتوى الذي يمكن قياسه واختباره بسهولة، وبينما يحتاج المجتمع بالتأكيد إلى أن يفهم الأطفال أساسيات القراءة والرياضيات، فإنه يتطلب أكثر من ذلك بكثير لتحضير الطفل لسوق العمل في المستقبل، الـ6Cs أو النتائج مبنية على علم التعلم ومدعومة بجزء كبير من الأدلة، حيث يُعد التعاون أو العلاقات الاجتماعية الأساس لمجموعة مترابطة من المهارات، فيما يلي وصف موجز لهذه الـ6Cs كما قدمها غولينكوف وهيرش- باسيك في كتابهما “Becoming Brilliant”:
-
التعاون (Collaboration): يعكس التعاون كيف أن التفاعل الاجتماعي هو جوهر الطبيعة البشرية وأساس للتعلم وبناء المجتمع والفهم الثقافي، ومن المثير للاهتمام أن أبحاث الأعصاب الحديثة تظهر كيف يولد اللعب التعاوني أنماطًا فريدة من النشاط المتزامن في الدماغ بين الأطفال والبالغين، هذه التعاونيات الأولى تدعم أيضًا تطوير مهارات التنظيم الذاتي لدى الأطفال الصغار، يتقدم الأطفال في فهمهم للتعاون خلال سنوات المدرسة الابتدائية، مما يدعم تحقيقهم الأكاديمي.
-
التواصل (Communication): يشمل التواصل- التحدث، الكتابة، القراءة، والاستماع- وهو أمر أساس في حياتنا اليومية، في مرحلة الطفولة المبكرة، تتطور مهارات اللغة من خلال المحادثات التبادلية بين الأطفال ووالديهم، عندما يبدأ الأطفال في رياض الأطفال، تكون مهاراتهم اللغوية في ذلك الوقت أقوى مؤشر لأدائهم الأكاديمي المستقبلي في اللغة، والقراءة، والرياضيات، فضلا عن مهاراتهم الاجتماعية، يبني التواصل على- ويعتمد على- التفاعلات التعاونية الأولى للأطفال مع الآخرين في بيئتهم، القدرة على التعاون والتواصل معًا تمهد الأساس لكل المهارات اللاحقة.
-
المحتوى (Content): يشمل المحتوى التقليدي القراءة، والكتابة، والرياضيات، والعلوم، والدراسات الاجتماعية، والفنون، ولكن من المهم أيضًا الاعتراف بمهارات “التعلم للتعلم” أو وظائف التنفيذية مثل الانتباه والذاكرة العاملة التي تدعم إنجازات الأطفال الأكاديمية، يبني المحتوى على هيكل التعاون- ولا سيما التواصل- عبر التخصصات، بما في ذلك الرياضيات، والقراءة، والعلوم، والدراسات الاجتماعية، على الرغم من أننا غالبًا ما نفكر في التعلم ضمن “صناديق” منفصلة (مثل تعلم الرياضيات فقط في درس الرياضيات)، تظهر أبحاث متزايدة أن وظائف التنفيذية توفر أساسًا واسعًا لمهارات القراءة والرياضيات، فقط بعد أن يطور الأطفال مهارات التعاون والتواصل، يكونون جاهزين لإتقان المحتوى والتقدم نحو مستويات تعلم أعلى.
-
التفكير النقدي (Critical thinking): يستطيع المفكرون النقديون تقييم جودة المعلومات التي يتلقونها ويستخدمون هذه المهارات داخل وخارج الصف الدراسي، ومع ذلك يعاني الطلاب بشكل خاص في تقييم المصادر على الإنترنت، وهي مهارة أساسية في القرن الحادي والعشرين، لكن الخبر السار هو أن التفكير النقدي والمهارة المرتبطة به، وهي الاستدلال، يمكن تعليمهما، يسبق التفكير النقدي هي قدرة الأطفال على التعاون، والتواصل، والانخراط بشكل هادف مع المحتوى المنهجي، فقط بعد إتقانهم المحتوى يمكنهم البدء في التفكير النقدي حول المعرفة التي يكتسبونها.
-
الابتكار الإبداعي (Creative innovation): هو توليف المحتوى والتفكير النقدي يمكّن الطلاب من استخدام ما يعرفونه لابتكار شيء جديد وتطوير حلول مبتكرة للتحديات التي يواجهونها الآن وفي المستقبل، يدعم اللعب هذا الابتكار بشكل مباشر في كل من اللغة والفنون، علاوة على ذلك، لأن اللعب يشجع الفضول والاستكشاف، فإنه يعزز أيضًا الإبداع، يُنظر إلى الإبداع كأصل مهم لأي وظيفة، ويُصنّف بعده ثالث أهم مهارة للتوظيف وفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي، يعتمد التفكير الإبداعي على التعاون، والتواصل، والمعرفة الكافية بالمحتوى، والقدرة على التفاعل النقدي مع هذا المحتوى من خلال رؤية الروابط بين المحتوى والخبرات الواقعية، يمكن للإبداع أن يمكّن الأطفال من ابتكار شيء جديد من هذه الروابط- أي توليد حلول أصلية للمشكلات.
-
الثقة (Confidence): الأطفال الذين يتمتعون بالثقة في قدراتهم يظهرون مثابرة ومرونة، حتى عند مواجهة الفشل، ترتبط الثقة ارتباطًا وثيقًا بمفهوم “العزيمة” (grit)، وهي تُعرّف بأنها “المثابرة والشغف لتحقيق الأهداف طويلة الأمد”، وكذلك بـ”عقلية النمو” (growth mindset) الاعتقاد بأن الفرد يمكنه تطوير مهاراته لأن قدراته ليست ثابتة على مستوى معين، كما تؤثر مواقف الوالدين تجاه أداء أطفالهم ولا سيما تجاه الفشل- بشكل كبير على نظرة الأطفال لقدراتهم الذاتية، مما قد يؤدي إلى تطوير عقلية ثابتة بدلاً من عقلية النمو، وبهذه الطريقة تساعد التفاعلات الاجتماعية للأطفال على تشكيل تصورهم لقدراتهم، كما تُعد الثقة سواء كانت جسدية أو فكرية، المهارة النهائية التي تُمكّن الأطفال من استخدام مهاراتهم في التعاون، والتواصل، وإتقان المحتوى، والتفكير النقدي والإبداعي لدفع حدود تعلمهم.
كما يشكل التعلم اللعبي (playful learning) قائمة مرجعية لكيفية تعلم الأطفال، بينما توفر الـ6Cs قائمة نظامية لما يتعلمه الأطفال- أو ما يمكن ويجب عليهم تعلمه، عندما يتضح هذا الانموذج، يصبح من السهل تصميم البيئات الرقمية والحقيقية لتتوافق مع أفضل مبادئ التعلم، يمكن تصميم الميتافيرس (metaverse) ليقدم سياقًا وتجارب تُتيح وتشجع على التعاون، والتواصل، وإتقان المحتوى، والتفكير الإبداعي، والابتكار، والثقة. و(الجدول 1) يقدم قائمتين مرجعيتين لخصائص التعلم اللعبي والـ6-Cs أي كيف وماذا يتعلم الأطفال، إذا استخدم المصممون والمربون هذه القائمة المرجعية مع هدف تعلم محدد جيدًا، يمكنهم تحديد ما إذا كان الفضاء الافتراضي في الميتافيرس الذي يصممونه سيكون تعليميًا حقًا أم مجرد ممتع فقط.
والجدول في إدناه يوضح مجموعة من المهارات:
جدول(1)
الثقة |
الابتكار الابداعي |
التفكير النقدي |
المحتوى |
التواصل |
التعاون |
المستوى |
الجرأة على الفشل |
رؤية |
دليل |
خبرة |
سرد قصة مشتركة |
بناءه معًا |
4 |
المخاطر المحسوبة |
صوت |
آراء |
ربط الأمور |
حوار |
تفاعل ذهابًا وإيابًا |
3 |
أين أقف؟ |
وسيلة-غاية |
الاختلاف فيالحقائق |
اتساع واسع/ فهم سطحي |
عرض وحكي |
جنبًا إلى جنب |
2 |
الثبات |
تجربة |
الرؤية هيالإيمان |
تعلم مبكر/خاص بالموقف |
العاطفة الخام |
بمفردي |
1 |
لو رجعنا إلى درس الأساطير اليونانية السابق يُظهر أنه كان درسًا ممتعًا ونشطًا، يُشرك العقل دون أن يشتت الانتباه، وكان ذا معنى من خلال ترابط مكوناته، وتضمن تفاعلًا اجتماعيًا، كما شجّع الطلاب على التعاون في بناء المشروع معًا، والتواصل فيما بينهم حول محتوى يتضمن التاريخ وعلم الآثار والعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) وقد عزز الدرس التفكير النقدي من خلال استناد الطلاب إلى الأدلة المستخرجة من الحفر الأثري في تكوين آرائهم بشأن القطع الأثرية التي وجدوها، وفي هذا التمرين أظهر الطلاب مثابرة في تجميع أجزاء اللغز– الإبريق، كان الهدف التعليمي محددًا بوضوح، إذ تمثل في توضيح التاريخ الكامن وراء الأساطير، وتنمية مهارات القراءة النقدية الدقيقة، والمهارات العلمية من خلال التعلم المكاني وبناء الألغاز، أخيرًا، تجاوز هذا المثال حدود “الشاشة” وعالم الخيال، حينما عاد الطلاب إلى العالم الواقعي، وأصبح المعلم، الذي تحول إلى “مرشد على الجانب”، يقود الصف عبر خطة الدرس، موصلًا رؤى اليوم بالاكتشافات التي توصلوا إليها في الدروس السابقة، وداعمًا لتطوير مهارات الأطفال خارج إطار الميتافيرس. على الجانب الآخر تصور فضاءً افتراضيًا يبدو جيد التصميم وتمت “لعبنته”، مع رسومات مذهلة ومحتوى متاح للاستكشاف، لكنّ قُطع هذا اللغز لا تتكامل لتُفضي إلى فهم كامل للعصر (تخيل إمكانية النقر على مقالات تشبه مقالات ويكيبيديا بينما يتنقل الأطفال في الفضاء)، تنتشر الإعلانات الخاصة بفضاءات افتراضية أخرى، يُمنح الأطفال قائمة من المهام التي يجب إنجازها للحصول على “نقاط” ترتبط بدرجة مشروعهم، يسجل المعلمون دخولهم فقط للتأكد من أن جميع الأطفال استوفوا الحد الأدنى من المتطلبات، لكن دورهم قد تقلّص إلى مجرد “إشراف” على الأنشطة الرقمية لـ 200 طالب سنويًا، هؤلاء الأطفال يتصرفون كأفراد منفصلين في فضاء جذاب، لكن يجب على المصممين أن يدركوا الفرق الذي أشار إليه تروسث وستروس بين الميزات التي توجه الانتباه وتلك التي تشتته في الوسائط الرقمية التفاعلية.
كذلك اظهرت الدراسات المبكرة حول مشاهدة التلفاز والكتب الإلكترونية لدى الأطفال الصغار أن الميزات السمعية أو الرسومية المتحركة، عندما توضع بطريقة استراتيجية، يمكن أن توجه انتباه الأطفال نحو المحتوى المهم وتساعد في الفهم، ولكن وجود العديد من الميزات التفاعلية قد يؤدي إلى تشتت الانتباه، لذا يجب أن تتماشى البيئات التعليمية داخل الميتافيرس مع هذا الفهم الدقيق لتأثيرات التصميم على التعلم.
علم كيفية تعلُّم الأطفال: (حان الوقت لتصميم بيئات تعليمية يكون فيها الأطفال في قلب العملية التعليمية عندما تلتقي مبادئ التعلُّم مع الميتافيرس: الوعود والمخاوف)
الميتافيرس ليس سوى سياق- لكنه سياق غامر– يمكن من حيث المبدأ أن يحقق أفضل ما يمكن أن تقدمه التقنيات الرقمية لصالح التعليم، ولكن فقط إذا تم تطويره بشكل صحيح، مع مراعاة علم التعلُّم وواقع الأطفال الفعلي، وعند تحليل الإمكانيات، يتّضح أن الألعاب أو الأنشطة في الميتافيرس تحمل وعودًا بأن تكون نشطة لا سلبية؛ إذ يمكن للأطفال أن يستكشفوا هذا الفضاء على الصعيدين “الجسدي” والعقلي، ويبقى مدى جاذبية النشاط من عدمه رهناً بالمُطور، كما هو الحال في التطبيقات، هناك العديد من المنتجات التي تَجذب انتباه الأطفال ولكنها تُقاطع التجربة بطرائق تُعيق التفاعل الحقيقي، لا يتعلّم الأطفال حين تُقاطع السرد القصصي أو حين تُطرح أمامهم خيارات كثيرة جدًا، ولذلك يجب على المصممين أن يكونوا مدروسين في بناء لوحة القصة وأن يحافظوا على تدفق منطقي داخل هذه اللوحة دون تشتيت انتباه الطفل إلى مهمة جديدة أو مكان غير ذي صلة، أما مسألة المعنى، فيبدو أن حلّها يجب أن يكون ممكنًا داخل الميتافيرس، فالواقع الافتراضي الذي يمكن للطفل أن “يسكنه”، إذا تم ربطه جيدًا بعالم الطفل الحقيقي أو المُتخيل، يمكن أن يُنتج شبكة عقلية تدعم تعلُّمًا عميقًا وقابلاً للنقل إلى سياقات جديدة، ففي أحدى المراجعات البحثية، طرح كل من هوپكنز وڤايسبرغ سؤالًا حول ما إذا كان الأطفال قادرين على نقل المعرفة المكتسبة من الخيال في الكتب إلى السياقات الواقعية، وتشير البيانات إلى أنهم يستطيعون ذلك، وإن كان بدرجة أقل مما لو تعلموا في سياقات واقعية؛ وهي نتيجة تعكس أيضًا ما تم التوصل إليه بشأن قدرة الأطفال الصغار على نقل المعلومات الجديدة المتلقاة عبر التلفاز، ومع ذلك تُلمح دراسة أخرى إلى أن الأطفال ربما يتعلمون بشكل أفضل من خلال الخيال، لأن الخيال قد يُعزز التعلُّم في السياقات غير المعتادة، وفي بحوث لاحقة، يؤكد هوپكنز وڤايسبرغ هذه الفرضية عند اختبار تعلم الأطفال في سن الخامسة لمبادئ علمية.
أما السؤال الأكثر تعقيدًا، فيتعلق بمسألة خلق بيئة اجتماعية للأطفال داخل الميتافيرس، فالمثال المطروح أعلاه لا يُقدم سوى لمحة بسيطة عما يمكن أن يحدث إذا لم تكن الألعاب مصممة للاستهلاك الفردي فقط، بل كانت أيضًا مُوجهة أو قائمة على التفاعل الجماعي بواسطة المعلمين لتعزيز تفاعل الطلاب.
وفي الوقت نفسه تشير الأبحاث في علم كيفية وماذا يتعلم الأطفال بوضوح إلى أن العلاقات الاجتماعية تمثّل الأساس لكل أشكال التعلُّم، فالرّضيع الذي يتفاعل مع أحد والديه يتلقى استجابات تكون في الوقت المناسب، مشروطة، ذات مغزى، ومتوافقة عاطفيًا، وتشير الأبحاث إلى أن التناغم الأقوى بين مقدم الرعاية والطفل يدعم نمو الدماغ وترابطه، فضلًا عن دعم التعلم المبكر، حتى في سن السنتين الاولى، لا يمكن للوكيل الافتراضي أن يحل محل الشخص الحقيقي، حتى وإن استجاب الوكيل الافتراضي بطريقة مشروطة تحاكي الإنسان الحقيقي، وتشير دراسات من مختبراتنا إلى أنه في سن الرابعة، يتعلم الأطفال بشكل أفضل عند القراءة مع أحد الوالدين مقارنةً بالقراءة وحدهم، وتُظهر قياسات الاستثارة الفيزيولوجية والتقارير الذاتية عن المشاعر من جانب الوالد أن هناك رابطة خاصة تتشكل بين الطفل ووالده- رابطة إنسانية حقيقية، وقد أكدت سلسلة من المقالات في مجموعة حديثة من الأبحاث حول التعلم الرقمي مقابل التعلم البشري هذه الفرضية.
وأخيرًا، حتى الأطفال الأكبر سنًا لا يزال التناغم الاجتماعي يؤثر في تعلّمهم، ففي دراسة حديثة أجراها لامب وزملاؤه، وُجد أنه عندما يكون المعلمون وطلاب المدارس الابتدائية منخرطين لفظيًا واجتماعيًا، فإنهم لا يفهمون المادة بشكل أفضل فحسب، بل إن نشاط الدماغ لديهم يكون متزامنًا، ومن المرجح أن هذه النتيجة ليست سوى البداية لمجموعة من الأدلة القادمة من هذا الاتجاه الناشئ الذي يستخدم أبحاث علم الأعصاب في الصفوف الدراسية الواقعية، لكن ما الذي يجعل العلاقات الاجتماعية بهذه الأهمية؟ ولماذا قد تكون التعبيرات العاطفية، والتواصل الجسدي، والرائحة، ولغة الجسد ذات أثر حاسم؟ قد يكون ذلك لأنها أشكال أساسية من التواصل، وهي غائبة أو على الأقل ناقصة في العالم الافتراضي- أو في الميتافيرس كما يُصوَّر اليوم، ومع ذلك، يمكن الحفاظ على التفاعل الاجتماعي إذا استُخدمت البيئات الافتراضية كمنصة تُحفّز التفاعل بين الأشخاص الحقيقيين، سواء في الواقع الفعلي أو في الواقع الافتراضي، بدلًا من أن تكون بديلًا، على سبيل المثال إذا قام صف دراسي حقيقي معًا “بزيارة” اليونان تحت إشراف معلم، فإنهم بذلك يحافظون على التفاعل الاجتماعي الحي حتى في بيئة رقمية، أما إنشاء مجموعة من الصور الرمزية (أفاتارات) للقيام برحلةeven- إن كانت تتحرك بفعل طلاب حقيقيين- فلن يُحقق نفس الأثر، ولهذا السبب، فإن المزيد من البحث في هذا المجال ضروري للغاية، وفي ذات السياق، فإن تقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي والعوالم ثلاثية الأبعاد تحمل أيضًا وعودًا كبيرة من حيث تمكين الأطفال من زيارة بيئات جديدة لم يكن بإمكانهم استكشافها من قبل، ففي إطار التفكير النقدي، يمكن للطلاب حل مشكلات حقيقية، والدخول إلى معارض للمبتكرين (makers’ fair) لعرض ابتكاراتهم ليس فقط في مدرستهم، بل أمام مجتمع أوسع، يمكنهم زيارة فترات زمنية مختلفة لتقديم أدلة حول الأسئلة الكلاسيكية المتعلقة بالثقافة اليونانية، أو حتى الدخول إلى مختبرات علمية وربط هذه التجارب بالتعلم الواقعي، يمكن للطلاب أن يكونوا مبدعين، حتى في سن صغيرة، فيرسمون ويؤلفون بمساعدة أفضل المعلمين والفنانين، بل ويمكنهم تجميع التاريخ من القطع المتناثرة وصياغة قصتهم الخاصة عن الأساطير اليونانية، من صفوفهم الدراسية، وبقيادة معلميهم، يمكن أن يقدم الميتافيرس عالمًا هجينًا ذو إمكانات هائلة إذا ما تم استخدامه بشكل صحيح.
ولتحقيق هذا “الصحيح”، فإن دور المعلمين ومقدمي الرعاية أساس، فهم الأدلاء إلى العوالم البعيدة والتعلم الغامر، وفقط المعلمون المتمرسون هم القادرون على اختيار خطط الدروس بناءً على ما لاحظوه يُثير اهتمام طلابهم، مساعدة الأطفال على التنقل في بيئات قد تُثير مشاعر صعبة (مثل التنقل في “ميتافيرس” يمثل سوبرماركت يُستخدم لتعليم الأرقام والمعرفة المالية لطفل يعيش في أسرة تعاني من انعدام الأمن الغذائي).
يمكن للمعلمين اختيار البيئات الافتراضية التي يعلمون أنها ستُشعر كل طفل في صفهم بأنه مُمثَّل، كما يمكنهم مساعدة الأطفال على تجاوز مناطق الراحة الخاصة بهم ومواجهة التحديات الأكاديمية والاجتماعية بناءً على نقاط القوة والصعوبات الفردية، كذلك يمكن للمعلمين ومقدمي الرعاية ربط ما يتعلمه الأطفال بما يعرفونه بالفعل، الميتافيرس ليس بديلًا عن المعلمين، بل هو أداة يمكن للمعلمين من خلالها إشعال شرارة التعلّم والتفاعل الاجتماعي بطرائق جديدة، ولحد الأن لا تتوافر سوى بيانات محدودة لمساعدة المجال على تحديد الاتجاه المستقبلي، بعض الأبحاث المبكرة أشارت إلى أن الألعاب الرقمية، مثل Pokémon GO، يمكن أن تعزز النشاط البدني للمستخدمين من خلال تشجيعهم على التجارب الخارجية، ويبدو أن اللعبة شجعت أيضًا على الاستخدام المشترك، إذ أفاد العديد من الآباء بأنها وفرت فرصًا لتقوية الروابط الأسرية، فعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أجراها “جاكي بيلي” و”جيريمي بايلنسون” من جامعة ستانفورد مع زملائهم أن الأطفال الذين شاهدوا شخصية “غروفر” من شارع سمسم في بيئة الواقع الافتراضي كانوا أكثر امتثالًا لتعليماته وقدموا له ملصقات أكثر مقارنة بالأطفال الذين شاهدوا نفس المحتوى على شاشة تلفزيون، ومع ذلك، أظهر هؤلاء الأطفال أداءً أسوأ في اختبار للسيطرة على النفس (inhibitory control) مثل لعبة “سايمون يقول”- ربما لأن البيئة بدت حقيقية لدرجة جعلت من الصعب عليهم كبح تصرفاتهم وتقليدهم لغروفر.
وتُشير أبحاث سابقة حول الواقع الافتراضي مع الأطفال الصغار إلى أن قوة هذه التجارب الحسية الغنية يمكن أن تُشكل ذاكرة الأطفال، وهو ما يُعد تذكيرًا مهمًا بأن ذكريات الأطفال قابلة للتأثر بسهولة، وتُظهر دراسات أخرى أن الأطفال الذين قرؤوا كتبًا معززة بالواقع (AR) كانوا أكثر تحفيزًا للقراءة مقارنة بأولئك الذين قرؤوا كتبًا تقليدية، رغم أن نتائج التعلم كانت متقاربة في كلا الحالتين، وفي دراسة أُجريت على أطفال تتراوح أعمارهم بين 6 إلى 8 سنوات، تبين أن الأطفال تعلموا مفاهيم فيزيائية مثل القوة والاحتكاك بشكل أفضل في بيئة واقع معزز مقارنة بالبيئة الواقعية. وقد قدّم كل من Hassinger-Das وHadani وزملاؤهم مراجعات حديثة للأبحاث حول التكنولوجيا الرقمية وتطور الطفل.
تحذير للمستهلك (Caveat emptor)
رغم التسرّع نحو السوق وجاذبية الأدوات الجديدة، إلا أن ذلك قد يشكّل نقطة ضعف، من الضروري للغاية أن يتم تصميم عنصر التفاعل الاجتماعي بشكل صحيح منذ البداية، فبالنسبة للأطفال، وربما حتى للبالغين، فإن تفاعل الصور الرمزية -(avatars) حتى وإن بدت واقعية وترتدي أحدث الأزياء لن يكون بديلًا عن التفاعل الإنساني الحقيق، لذا، سيكون من المهم إيجاد طرق لدمج العوالم الافتراضية والحقيقية بطريقة تحافظ على العلاقات الاجتماعية الواقعية بين المعلم والطفل، أو مقدم الرعاية والطفل، أو بين الأطفال أنفسهم، كذلك، سيكون من الضروري تجنب المشتتات؛ فالألعاب في بيئات الواقع الافتراضي غالبًا ما تكون مليئة بالمقاطعات والإلهاءات، يحب مصممو الألعاب إدخال مؤثرات وميزات كثيرة- وغالبًا ما يُساء تفسير “المزيد من التصميم” على أنه تجربة تعليمية أفضل، لكن هذا ليس صحيحًا بالضرورة.
فقد وجدت “آنا فيشر” من جامعة كارنيجي ميلون أن الزينة والإضافات يمكن أن تكون الزينة على جدران المدارس أكثر تشتيتًا للانتباه من كونها مفيدة، فعندما تتسبب الأنشطة أو المقاطعات السلوكية في قطع تدفق قراءة القصة، فإن ذلك يؤدي إلى انخفاض مستوى فهم القصة، وتُظهر الدراسات، سواء من مختبراتنا أو من باحثين آخرين، حول ما يُعرف بـ “التداخل التقني” (أي اللحظات التي يستخدم فيها البالغون التكنولوجيا مثل إرسال الرسائل النصية أو الرد على مكالمة هاتفية مما يُعطل التفاعل المتبادل بين الوالدين والطفل)، النمط نفسه من النتائج، ففي هذه الحالات، يتعلم الأطفال كلمات أقل، ويستخدم الآباء مفردات أقل ثراءً مع أطفالهم الصغار، كما يظهر على الأطفال مشكلات سلوكية أكثر، من المهم أيضًا ضمان أن يتمتع الطفل بوكالة حقيقية داخل هذه العوالم الافتراضية، بحيث يتمكن من الاستكشاف والاكتشاف بشكل مستقل لما يحتاج إلى القيام به لتحقيق الهدف التعليمي الضمني، وأخيرًا، من الضروري أن تكون الألعاب شاملة ومتنوعة ثقافيًا في الواقع، يمكن للميتافيرس أن يقدم للعائلات وجهات نظر وثقافات مختلفة عن ثقافتهم بطريقة تُعزز الفهم المتبادل والانفتاح الثقافي.
كما ينبغي أن نأخذ في الاعتبار قضايا الوصول، والدقة، وتوازن القوى، فالعديد من المجتمعات المهمشة والمتنوعة، وخاصة في المناطق الحضرية والريفية، قد لا تتوافر لديها إمكانية الوصول إلى إنترنت موثوق وعالي السرعة، مما يُعيق مشاركتهم الفعّالة في هذا العالم الجديد الذي يوفره الميتافيرس، ونظرًا لما شهدناه من انتشار للمعلومات الخاطئة والمحتوى غير الدقيق عبر التكنولوجيا الرقمية، فمن الضروري التأكد من أن الأنظمة والألعاب مدعومة بمحتوى تعليمي وتاريخي دقيق وموثوق وملائم، لقد تم توثيق العديد من أوجه القصور في التكنولوجيا الحالية فيما يتعلق بالأشخاص من ذوي البشرة الملونة والمجتمعات المهمشة، مما يشير إلى أن الميتافيرس قد لا يكون مدينة فاضلة تكنولوجية للجميع. من الأمثلة على ذلك:
-
فشل أنظمة التعرف على الوجه في تمييز الأشخاص ذوي البشرة الداكنة أو التعرف عليهم بشكل خاطئ؛
-
التحيزات العرقية والجندرية في بعض الخوارزميات.
-
الانتشار الواسع لخطاب الكراهية عبر الإنترنت الذي يستهدف النساء والأشخاص من ذوي البشرة الملونة.
ولذلك عند تصميم وتنفيذ الميتافيرس، يجب أن يكون هناك جهد متعمد ومقصود لإشراك الأشخاص من المجتمعات المهمشة في مناصب قيادية ومواقع اتخاذ القرار، لضمان أن يشعر جميع المستخدمين بـأنهم آمنون ومُقدَّرون أثناء تفاعلهم في هذه البيئات، العودة إلى المستقبل وهكذا نعود إلى الصف الدراسي، المحاط بجدران بيضاء يمكنها أن تنقل الأطفال وكأنهم يعيشون في حافلة المدرسة السحرية، لكن في هذا العالم، لن تكون الآنسة “فريزل” ثنائية الأبعاد، ولن تكون مجرد صورة رمزية (أفاتار)، بل ستكون معلّمة حقيقية من لحم ودم، مرشدة تقف إلى جانب الأطفال، تساعدهم على رؤية ما وراء عالمهم، إلى المستقبل والماضي، بل وإلى أعماق الحاضر أيضًا، في هذا العالم، وعندها سيحصل الأطفال على تجارب “مباشرة” في بلدان أجنبية، ويتقنون مجموعة أوسع من المهارات مثل الـ6Cs (التعاون، التواصل، المحتوى، التفكير النقدي، الإبداع، والثقة بالنفس)، وسيكونون أكثر قدرة على نقل ما يتعلمونه إلى العالم الواقعي من أشخاص وأماكن، الميتافيرس قادم إلى مجال التعليم، ويبقى السؤال: هل سنتمكن، كمصممين، وصنّاع سياسات، ومعلمين، وآباء، من تشكيل فرص تعليمية مقصودة ومناسبة داخل هذا السياق الجديد والمثير حقًا؟
* يستخدم المصطلح عادةً لوصف الإصدارات المستقبلية المفترضة للإنترنت، المكون من محاكاة ثلاثية الأبعاد لا مركزية ومتصلة بشكل دائم.
* مشتقة من اللغة السنسكريتية وتعني “النزول” أو “التجسد” و تستخدم الكلمة للاشارة إلى تجسدات الالهة أو المعلمين الروحانين المهمين في ديانات أخرى، ومن استخداماتها الشائعة تشير إلى تمثيل مرئي أو صورة رمزية للمستخدم في الفضاءات الرقمية.