الفخ العصري للنيكوتين .. الفيب وتأثيره على الشباب والشابات

بقلم: د. مصطفى سوادي جاسم

باحث في مركز الفيض العلمي لاستطلاع الرأي والدراسات المجتمعية

 

المقدمة

شهدت العقود الأخيرة تحولات جوهرية في أنماط استهلاك منتجات التبغ والنيكوتين، كان أبرزها ظهور السكائر الإلكترونية أو ما يُعرف بـ الفيب (Vape)، ولم يعد التدخين محصورًا في صورته التقليدية المرتبطة بالسكائر الورقية، بل أخذ أبعادًا تكنولوجية وثقافية جديدة، لا سيما بين فئة الشباب والشابات، يهدف هذا المقال إلى تتبع الجذور التاريخية للسكائر عمومًا، والسكائر الإلكترونية خصوصًا، وتحليل آثارها الصحية والاجتماعية، مع ربط انتشار الفيب بتحولاته الثقافية وأسبابه النفسية والاجتماعية.

 

 

الجذور التاريخية للسكائر التقليدية

يرجع تاريخ التدخين إلى آلاف السنين، حيث ارتبط استخدام أوراق التبغ في المجتمعات الأصلية في الأمريكيتين بطقوس دينية واجتماعية وروحية، ولم يكن آنذاك نشاطًا استهلاكيًا أو تجاريًا، بل ممارسة رمزية ذات أبعاد ثقافية محددة؛ غير أن هذا الاستخدام المحلي للتبغ شهد تحولًا جذريًا مع بدايات التوسع الاستعماري الأوروبي في القرن السادس عشر، إذ جرى نقل التبغ من سياقه الثقافي الأصلي إلى منظومة اقتصادية استعمارية قائمة على الاستغلال والربح.

ومع الاكتشافات الجغرافية، ولا سيما بعد رحلات كريستوفر كولومبوس، أصبح التبغ سلعة استراتيجية في الاقتصاد الاستعماري الأوروبي، فقد أُنشئت مزارع واسعة في المستعمرات الأمريكية تعتمد على العمل القسري والعبودية، وأسهمت أرباح التبغ في تمويل الاقتصادات الأوروبية الناشئة وتعزيز قوتها التجارية، وبذلك، لم يعد التبغ مجرد منتج زراعي، بل أداة من أدوات الهيمنة الاقتصادية وإعادة تشكيل العلاقات بين المركز الاستعماري والأطراف الخاضعة له، وخلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، اندمج التبغ في شبكات التجارة العالمية، وارتبط بتوسع الموانئ، وازدهار شركات الملاحة، وفرض الضرائب والاحتكارات الحكومية، وأسهمت هذه العوامل في تطبيع استهلاك التبغ داخل المجتمعات الأوروبية، حيث جرى الترويج له بوصفه منتجًا يوميًا يعكس الرفاه الاجتماعي والانتماء إلى أنماط العيش الحديثة، متجاهلين في الوقت ذاته كلفته الإنسانية والصحية.

ومع حلول القرن التاسع عشر، جاءت الثورة الصناعية لتمنح صناعة السكائر دفعة غير مسبوقة، إذ أدت المكننة إلى إنتاج السكائر بكميات ضخمة وبأسعار زهيدة، ما وسّع قاعدة المستهلكين لتشمل مختلف الطبقات الاجتماعية، كما ساعدت الطباعة والإعلان التجاري على تسويق التدخين بأساليب جذابة، ربطته بالقوة والنجاح والاستقلال، وأسهمت في تحويله إلى سلوك اجتماعي طبيعي ومقبول، وفي هذا السياق، لم يكن انتشار التدخين محايدًا ثقافيًا، بل خضع لمنطق السوق الرأسمالي الذي سعى إلى تعظيم الأرباح حتى على حساب الصحة العامة. فقد استُخدمت الرموز الثقافية، والصور الذكورية والنسوية، في ترويج السكائر، ما أدى إلى إدماج التدخين في البنية الثقافية للمجتمع، وتحويله إلى عادة يومية يصعب التخلي عنها.

وعليه، يمكن القول إن السكائر التقليدية لم تنتشر بوصفها خيارًا فرديًا حرًا فحسب، بل بوصفها نتاجًا مباشرًا لتشابك العوامل الاستعمارية والاقتصادية والصناعية، التي أسهمت في خلق طلب اجتماعي مصطنع، ورسخت التدخين كجزء من الثقافة اليومية، تمهيدًا للتحولات اللاحقة التي أفرزت بدائل جديدة، مثل السجائر الإلكترونية، في سياق رأسمالي مشابه ولكن بأدوات أكثر حداثة.

 

 

 

 

من السجارة التقليدية إلى السجارة الإلكترونية

مع تصاعد الأدلة العلمية والطبية منذ النصف الثاني من القرن العشرين التي أثبتت الارتباط المباشر بين التدخين التقليدي وأمراض خطيرة مثل سرطان الرئة، وأمراض القلب والشرايين، واضطرابات الجهاز التنفسي، تعرضت صناعة التبغ لضغوط متزايدة من المؤسسات الصحية والحكومات، وقد دفع ذلك هذه الصناعة، مدفوعة بمنطق الربح والاستدامة السوقية، إلى البحث عن بدائل تُسوَّق بوصفها أقل ضررًا، مع الحفاظ على عنصر الإدمان المتمثل بالنيكوتين، في هذا السياق، ظهرت السجائر الإلكترونية بوصفها نتاجًا لتقاطع التطور التكنولوجي مع متطلبات السوق الصحية الجديدة، ويُنسب الشكل الحديث للسجارة الإلكترونية إلى الصيدلي الصيني هون ليك (Hon Lik) عام 2003، الذي طوّر جهازًا يعمل على تبخير محلول يحتوي على النيكوتين بدل حرق التبغ، متأثرًا بتجربة شخصية مع وفاة والده بسبب مضاعفات التدخين، وقد جرى تقديم هذا الابتكار في بداياته على أنه وسيلة للإقلاع عن التدخين أو التقليل من مخاطره الصحية.

تعتمد السجائر الإلكترونية على آلية مختلفة جذريًا عن السكائر التقليدية، إذ تقوم على تسخين سائل يُعرف بـ”السائل الإلكتروني”، يتكوّن عادة من النيكوتين، ومواد مُذيبة مثل الغليسرين النباتي والبروبيلين غليكول، فضلًا عن منكهات صناعية متعددة، ويؤدي تسخين هذا السائل إلى إنتاج بخار يُستنشَق، بدل الدخان الناتج عن احتراق التبغ، وهو ما شكّل الأساس العلمي للترويج لها بعدّها أقل احتواءً على السموم الناتجة عن الاحتراق، غير أن هذا التحول لم يكن مجرد استجابة صحية بحتة، بل كان أيضًا تحولًا اقتصاديًا واستراتيجيًا في صناعة النيكوتين، فقد أعادت الشركات الكبرى تموضعها في السوق عبر الاستثمار في منتجات إلكترونية جديدة تستهدف فئات عمرية أصغر، مستفيدة من الخطاب الصحي، والتصميم العصري، والمرونة في التسويق، وبذلك، انتقل التدخين من كونه عادة مرتبطة بالنار والدخان إلى ممارسة رقمية تكنولوجية، تتماهى مع ثقافة العصر الحديث القائمة على الأجهزة الذكية ونمط الحياة السريع.

ومع اتساع انتشار السجائر الإلكترونية، لم تعد تُستخدم بوصفها وسيلة انتقالية للإقلاع عن التدخين فحسب، بل تحولت إلى نمط استهلاكي مستقل، لا سيما بين الشباب والشابات، حيث أُعيد تعريف تجربة التدخين لتصبح أكثر “نظافة” من حيث الشكل، وأكثر جاذبية من حيث النكهات، وأقل ارتباطًا بالوصمة الاجتماعية التي لحقت بالسجائر التقليدية، وعليه، يمكن القول إن الانتقال من السيجارة التقليدية إلى السيجارة الإلكترونية يمثل مرحلة جديدة في تاريخ التدخين، تقوم على إعادة إنتاج الإدمان بأدوات تكنولوجية حديثة، مع إعادة تغليفه ضمن خطاب صحي وتسويقي يخفي في طياته مخاطر صحية وثقافية لا تزال قيد البحث والدراسة.

 

 

الآثار الصحية للفيب

رغم الترويج الواسع للسجائر الإلكترونية بوصفها بديلًا “أقل ضررًا” من السجائر التقليدية، فإن تزايد الأبحاث الطبية خلال العقدين الأخيرين كشف عن مجموعة من المخاطر الصحية المؤكدة والمحتملة، ما يدحض الخطاب التسويقي الذي يصوّر الفيب بوصفه خيارًا آمنًا أو خاليًا من الأضرار.

 

تشير تقارير منظمة الصحة العالمية (WHO) إلى أن استنشاق بخار السجائر الإلكترونية يؤدي إلى تهيّج الجهاز التنفسي، وزيادة الالتهابات في القصبات الهوائية، وظهور أعراض تشبه الربو وضيق التنفس، لا سيما لدى المستخدمين المنتظمين، كما أوضحت دراسات سريرية أن البخار يحتوي على جسيمات دقيقة قادرة على الوصول إلى عمق الرئتين، مسببة تغيرات التهابية قد تؤدي إلى أضرار طويلة الأمد في النسيج الرئوي، وفيما يتعلق بالإدمان، أكدت دراسات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) أن غالبية منتجات الفيب تحتوي على نسب متفاوتة، وأحيانًا مرتفعة، من النيكوتين، وهو مادة شديدة الإدمان تؤثر في الجهاز العصبي المركزي، وقد تبين أن مستخدمي الفيب، لا سيما من الشباب، يُظهرون مستويات اعتماد نفسي وسلوكي مشابهة أو حتى أعلى من مدخني السكائر التقليدية، نتيجة سهولة الاستخدام وتكراره دون قيود مكانية واضحة.

 

أما على مستوى المخاطر الكيميائية، فقد أظهرت أبحاث منشورة في مجلات طبية مرموقة مثل The Lancet وNew England Journal of Medicine أن سوائل الفيب تحتوي على مواد كيميائية ومنكهات صناعية، تتحول عند تسخينها إلى مركبات سامة، من بينها الفورمالديهايد والأسيتالديهايد، وهي مواد مصنفة كمسرطنة أو محتملة التسرطن، وتزداد خطورة هذه المركبات مع الاستخدام طويل الأمد أو عند استخدام أجهزة ذات طاقة تسخين عالية، ومن أخطر الآثار الصحية المرتبطة بالفيب ما يتعلق بتأثيره على نمو الدماغ لدى المراهقين والشباب، إذ بينت دراسات عصبية حديثة أن التعرض للنيكوتين في مراحل النمو يؤثر سلبًا في مناطق الدماغ المسؤولة عن الانتباه، واتخاذ القرار، وضبط السلوك، ويزيد من احتمالية الإصابة بالقلق والاكتئاب واضطرابات الإدمان مستقبلًا، وتشير الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP) إلى أن استخدام الفيب قد يشكل بوابة للانتقال إلى تدخين السكائر التقليدية أو تعاطي مواد أخرى، وعلاوة على ذلك، سجلت تقارير طبية حالات إصابة خطيرة عُرفت بـ إصابة الرئة المرتبطة باستخدام السجائر الإلكترونية (EVALI)، والتي تسببت في دخول آلاف الحالات إلى المستشفيات، بل ووفاة عدد من المستخدمين، ما يعكس خطورة استنشاق مكونات غير مدروسة التأثير على الجهاز التنفسي.

وعليه، فإن الادعاء بأن الفيب “أقل ضررًا” لا يعني بالضرورة أنه آمن، بل يعكس مقارنة نسبية مع التدخين التقليدي، لا تلغي المخاطر الصحية القائمة، فالتقليل النسبي للضرر لا يساوي انعدامه، ولا سيما عند الاستخدام طويل الأمد أو المكثف، أو عند انتشاره بين فئات عمرية صغيرة لم يكتمل فيها النمو الجسدي والعصبي.

 

 

 

انتشار الفيب بين الشباب والشابات: قراءة نفسية وسوسيولوجية

ارتبط انتشار السجائر الإلكترونية (الفيب) بين الشباب والشابات بعدة عوامل متداخلة، أبرزها التصميم العصري للأجهزة الذي يجعلها جذابة ومرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة، والنكهات المتنوعة مثل الفواكه والحلوى التي تخفف من نفور النيكوتين، وسهولة الإخفاء مقارنة بالسكائر التقليدية، ما يقلل من الشعور بالرقابة الاجتماعية، إلى جانب التسويق الرقمي عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمؤثرين الذي يروج للفيب كجزء من نمط حياة عصري، وأخيرًا الاعتقاد الخاطئ بأنه أقل ضررًا من التدخين التقليدي، وهو ما يسهم في تطبيع هذا السلوك وتحويله إلى ممارسة شائعة بين الفئة العمرية الصغيرة.

تشير الدراسات النفسية والاجتماعية الحديثة إلى أن انتشار السجائر الإلكترونية (الفيب) بين الشباب والشابات لا يعود فقط إلى خصائص المنتج ذاته، بل يرتبط بجملة من العوامل النفسية والسلوكية المرتبطة بمرحلة العمر، وبالتحولات الثقافية المعاصرة؛ فقد أظهرت أبحاث علم النفس النمائي أن فئة المراهقين والشباب أكثر ميلًا إلى سلوكيات التجربة والمخاطرة (Risk-taking behavior)، نتيجة عدم اكتمال نمو القشرة الجبهية في الدماغ، وهي المنطقة المسؤولة عن اتخاذ القرار وضبط السلوك، وفي هذا السياق، بينت دراسات في علم النفس الصحي أن التصميم العصري للفيب يسهم في خفض الإدراك الذهني للمخاطر (Risk Perception)، حيث يُنظر إلى الجهاز بوصفه أداة تكنولوجية لا منتجًا ضارًا بالصحة، وقد أظهرت دراسة نُشرت في Journal of Adolescent Health أن الشباب الذين يستخدمون الفيب يقلّ لديهم الشعور بالخطر مقارنة بمدخني السكائر التقليدية، رغم تشابه مستويات الاعتماد على النيكوتين.

أما النكهات الجاذبة، فقد أثبتت دراسات نفسية سلوكية أن الطعم الحلو والمنكهات الفاكهية تعمل على تعزيز الاستجابة الدماغية لمراكز المكافأة (Reward System)، ما يزيد من احتمالية التكرار والتعلق بالسلوك، وتشير أبحاث في علم الأعصاب السلوكي إلى أن هذه النكهات تُضعف النفور الطبيعي من النيكوتين، وتُسهّل الانتقال من الاستخدام التجريبي إلى الاعتماد النفسي، ومن منظور علم الاجتماع، تؤكد نظريات التفاعل الرمزي (Symbolic Interactionism) أن السلوكيات الشبابية تُكتسب من خلال التفاعل مع الجماعة المرجعية، ولا سيما الأقران، وقد أظهرت دراسات سوسيولوجية أن استخدام الفيب بات يُمثّل رمزًا للانتماء الاجتماعي والاندماج في ثقافة شبابية معينة، حيث يتعرض الفرد لضغط غير مباشر يدفعه إلى التقليد خشية الإقصاء أو التهميش الاجتماعي.

وفيما يخص سهولة الإخفاء، تشير دراسات في علم النفس الاجتماعي إلى أن انخفاض احتمالية الاكتشاف أو العقاب يقلل من الشعور بالذنب والضبط الذاتي، ما يشجع على تكرار السلوك، وقد أظهرت أبحاث أجريت على طلاب جامعات أن غياب الرائحة النفاذة للفيب أسهم في تطبيع استخدامه داخل الحرم الجامعي والأماكن العامة، مقارنة بالسكائر التقليدية، كما يلعب التسويق الرقمي دورًا بالغ التأثير، إذ تؤكد دراسات الإعلام وعلم النفس الإعلاني أن التعرض المتكرر لمحتوى المؤثرين يخلق ما يُعرف بـ”التطبيع الإدراكي” (Normalization Effect)، حيث يُعاد تعريف السلوك الخطر بوصفه ممارسة عادية أو حتى مرغوبة، وقد بينت دراسات في علم نفس الإعلام أن الشباب الذين يتابعون محتوى يروّج للفيب هم أكثر عرضة لتجربته بمعدلات تفوق غيرهم.

أما الاعتقاد الخاطئ بالأمان، فتدعمه دراسات في علم النفس المعرفي تشير إلى أن الشباب يميلون إلى التحيز التفاؤلي (Optimism Bias)، أي الاعتقاد بأن الأضرار الصحية تصيب الآخرين أكثر مما تصيبهم شخصيًا، وقد أظهرت أبحاث أجرتها مؤسسات صحية دولية أن غالبية مستخدمي الفيب من الشباب يعتقدون خطأً أنه غير ضار أو أقل ضررًا بشكل كبير، رغم الأدلة الطبية المتزايدة على مخاطره.

وعليه، فإن انتشار الفيب بين الشباب والشابات يُعد نتاجًا لتفاعل معقّد بين العوامل النفسية (حب التجربة، ضعف إدراك المخاطر)، والاجتماعية (ضغط الأقران، الرمزية الثقافية)، والإعلامية (التسويق والتطبيع)، ما يحوله من سلوك فردي إلى ظاهرة اجتماعية تستدعي تدخلًا تربويًا ونفسيًا وتشريعيًا متكاملًا.

 

 

الفيب بوصفه جزءًا من الثقافة المعاصرة وتحولا في الجرأة القيمية لدى بعض الشابات

أدى انتشار السجائر الإلكترونية (الفيب) إلى إعادة تشكيل دلالات التدخين، ولا سيما لدى النساء، حيث لم يعد هذا السلوك محصورًا في فضاءات خاصة أو يُنظر إليه بوصفه فعلًا مستهجنًا اجتماعيًا كما كان في السابق، فقد أتاح الفيب، بما يحمله من طابع عصري وتصميم أنيق ورائحة أقل نفاذًا، ممارسة التدخين في أماكن عامة ومغلقة دون استشعار حرج اجتماعي واضح، الأمر الذي أسهم في بروز أنماط جديدة من الجرأة السلوكية لدى بعض الشابات، وتُفهم هذه الجرأة ضمن إطار التحولات الثقافية والقيمية التي تشهدها المجتمعات المعاصرة، حيث باتت بعض السلوكيات تُقدَّم بوصفها تعبيرًا عن الحرية الشخصية والاستقلال الذاتي، لا سيما في الخطاب الإعلامي والرقمي، وقد جرى توظيف الفيب كأداة رمزية تعكس تجاوز القيود التقليدية المرتبطة بصورة المرأة في الفضاء العام، ما أدى إلى تراجع الوازع القيمي أو الاجتماعي الذي كان يحدّ من ممارسة التدخين علنًا.

ولا يعني ذلك تعميم هذا السلوك على جميع النساء، إذ تبقى القيم الدينية والأخلاقية والأسرية فاعلة لدى شريحة واسعة من الشابات، غير أن بروز هذه الممارسات في الفضاءات العامة يعكس صراعًا بين منظومتين: الأولى تقليدية ترى في التدخين سلوكًا مرفوضًا أخلاقيًا وصحيًا، والثانية حداثية تبرر السلوك ضمن خطاب الحرية الفردية و”كسر التابوهات الاجتماعية“.

كما أسهم غياب الضبط القانوني الواضح، وضعف الحملات التوعوية الموجهة للنساء، في تعزيز هذا السلوك، ما جعل الفيب أداة يومية تُمارس في المقاهي، والجامعات، وأماكن العمل، دون إدراك كافٍ لأبعاده الصحية أو القيمية، وعليه، فإن الجرأة في استعمال الفيب لا يمكن فصلها عن السياق الأوسع لتحولات الهوية النسوية المعاصرة، وتأثير العولمة الثقافية، ووسائل التواصل الاجتماعي في إعادة تعريف المقبول والمرفوض اجتماعيًا.

 

الاستنتاجات

  • يُظهر التاريخ الطويل للتدخين أن انتشار السكائر التقليدية كان نتيجة تفاعل معقد بين العوامل الاقتصادية، والثقافية، والاستعمارية، ما ساهم في ترسيخ التدخين كجزء من الحياة اليومية قبل ظهور البدائل الحديثة.

  • يمثل ظهور السجائر الإلكترونية (الفيب) امتدادًا تاريخيًا للتدخين التقليدي، لكنه يأتي بأدوات تكنولوجية وتصميم عصري يهدف إلى استقطاب فئات الشباب والشابات، ويُسوَّق بوصفه أقل ضررًا، مع تجاهل المخاطر الصحية الحقيقية.

  • تشير الدراسات العلمية والطبية إلى أن الفيب لا يخلو من أضرار صحية، حيث يؤثر على الجهاز التنفسي، ويزيد احتمالية الإدمان على النيكوتين، وقد يؤثر على نمو الدماغ لدى المراهقين والشباب، فضلًا عن المخاطر الكيميائية غير المعروفة المدى.

  • يرتبط انتشار الفيب بفئة الشباب والشابات بعوامل متعددة تشمل التصميم العصري، النكهات الجاذبة، سهولة الإخفاء، التسويق الرقمي، والاعتقاد الخاطئ بالأمان، ما يحوّله من سلوك فردي إلى ظاهرة ثقافية جماعية.

  • أتاح الفيب ظهور تحولات سلوكية وقيمية لدى بعض الشابات، حيث أصبح ممارسة التدخين الإلكترونية في الأماكن العامة مؤشرًا على الجرأة والاستقلالية، ما يعكس صراعًا بين القيم التقليدية والثقافة الحداثية.

  • بناءً على ذلك، يتطلب التعامل مع ظاهرة الفيب استراتيجية شاملة تجمع بين التوعية الصحية، التربية القيمية، وتنظيم التشريعات، لضمان الحد من مخاطره، وخصوصًا لدى الفئات العمرية الصغيرة الأكثر عرضة للتأثر.

 

الخاتمة

إن السيجارة الإلكترونية (الفيب) ليست مجرد تطور تقني في تاريخ التدخين، بل تمثل تحولًا عميقًا في علاقة الإنسان المعاصر بالنيكوتين، لا سيما لدى فئة الشباب والشابات، وبينما تُسوَّق بوصفها بديلًا أقل ضررًا، فإن آثارها الصحية والثقافية تستدعي وقفة علمية وتربوية جادة، تقوم على التوعية، والتشريع، وإعادة بناء الوعي الصحي بعيدًا عن الإغراءات التسويقية.

 

المصادر
  1. تقارير تحليلية تربط الفيب بزيادة خطر مقدمات السكري وأمراض القلب والكلى، وتؤكد أن الفكرة السائدة بأنه “بديل آمن” تحتاج إلى مراجعة، الجزيرة نت
  2. تقرير صحفي يستعرض نتائج مراجعات متعددة تربط استخدام الفيب بزيادة احتمال بدء التدخين التقليدي وأعراض تنفسية وأخرى مرتبطة بالصحة النفسية لدى الشباب، The Guardian
  3. دراسة أميركية تربط استخدام السجائر الإلكترونية بزيادة احتمال قصور القلب بنسبة 19%، قناة السومرية العراقية
  4. دراسة من جامعة بنسلفانيا: تأثير الفيب على صحة الأوعية الدموية، المصري اليوم
  5. A systematic literature review on the composition, health impacts, and regulatory dynamics of vaping
  6. Assessment of respiratory health implications of vaping: A systematic review of toxicity mechanisms and adverse effects
  7. Characterization of exhaled e‑cigarette aerosols
  8. Evidence update on the respiratory health effects of vaping e‑cigarettes: A systematic review and meta‑analysis
  9. The impacts of vaping on the cardiovascular system: A systematic review of case reports.

 

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى