الوشم من الرمز إلى الخطر

 قراءة تحليلية في البعد الثقافي والصحي للممارسة

بقلم: د. حسن هاشم حمود

باحث في مركز الفيض العلمي لاستطلاع الرأي والدراسات المجتمعية

 

 

المقدمة

يعد الوشم من الظواهر الاجتماعية التي رافقت الإنسان منذ القدم وتنوعت استعمالاته واختلفت باختلاف الاسباب التي تدفع الأفراد إلى اعتماد الوشم فبعضهم عده طقساً يمارس للتغلب على حالات الخوف والقلق من الحيوانات المفترسة او لمواجهة تقلبات الظروف المناخية وبعضهم اعتمد الوشم لاثبات الذات والتعبير عن حجم العنف الذي يحمله بعض الموشومين، ويعتقد بأنه يستعمل لعلاج بعض الحالات المرضية او للزينة والجمال، فاختلفت رسوم وأسالیب (الوشم) وأماكن وضعه على جسم الإنسان من بلد لآخر حسب الطبیعة الاجتماعیة والمناخیة والعادات والتقالید التي تسود البلد أو المجتمع، لكن القاسم المشترك في طبقة الرسم واحدة، حیث تتم بواسطة إبر مدببة أو قطع نحاسیة ذات رؤوس حادة محروقة تغمس بمواد الوشم التي تكون غالبیتها من الرماد أو مواد تكحیل العیون، ویدق بها مكان الوشم المطلوب على الجسم بطریقة سریعة لا تخلوا من الآلم.

اما اليوم فان الوشم بدأ يأخذ مديات وصور جديدة مستوردة بفعل تأثيرات العولمة والثورة الرقمية وتطور عمليات الاتصال والتواصل الاجتماعي التي جعلت الوشم يخرج عن سريته ويبتعد عن صورته التقليدية وانقلبت قيمته رأساً على عقب ليتخذ طابعاً مرناً لدخوله كمهنة في اسواق التجارة.

 

الدلالة الرمزیة للوشم في المعتقد الشعبي

یعود الوشم إلى تاریخ موغل في القدم، فیرى الأنثروبولوجیون أن الوشم الذي یزین به الریفیون أیدیهم وصدورهم، وشفاههم، ووجوههم لم یكن في یوم من الأیام من حالة عبثية منقطعة تاريخياً، وإنما یعود إلى التاریخ القدیم عندما كان الناس یعیشون في حیاة بدائیة یقدسون فیها بعض الحیوانات، ویخشون فیها من بعض مظاهر الطبیعة كالموج والریاح والمطر والرعد، وبهذا قد ظهر الوشم قبل المیلاد، وأول رسم وشم معروفة على جسم الإنسان ترقى إلى حوالي6000  ق.م وجدت في رسوم الكهوف في أوربا، وكان الرومان والإغریق یستخدمونه في دمغ العبید، وهو یعد من أقدم العادات التي مارسها (السومریون) سكان وادي دجلة والفرات منذ مطلع التاریخ إذ كانوا یزینون أجسامهم به، وقد ظهر الوشم مع التقالید والدیانات الطوطمیة، ومن مظاهر التقدیس أنه یحرم على جمیع أفراد العشیرة أن یمسوا بسوء طوطمهم الخاص، فغالباً ما كان سكان القبائل البدائیة یرسمون الرموز على أجسادهم بطریقة الوشم بغیة التأكید الى انتمائهم لقبائلهم وقد تبدّلت معاني الوشم عبر التاریخ، ففي الماضي كان الإنسان البدائي یطبع صورة الحیوانات التي یخاف منها على ذراعه أو على صدره، ظنّاً منه بأنّها تكسبه قوّة، كما ارتبط الوشم بالدیانات الوثنیة التي انتشرت شرقاً وغرباً كحامل لرموزها الدینیة وأشكال آلهتها، واستخدم الوشم كتعویذة ضد الموت والعین الشرّیرة، وللحمایة من السحر، ویقودنا هذا كله إلى أن الوشم ظهر في المجتمعات الطوطمیة التي تتألف من قبائل وعشائر صغیرة لكل منها طوطمهُ الخاص، وهذه القدسیة منتشرة في جمیع أجزاء الجسم وعناصره، ولكنها أطهر ما تكون في نظر هذه القبائل في دم الإنسان وشعره، ومن ثم كانت الدماء من أكثر عناصر الإنسان استخداماً في هذه الطقوس والشعائر الدینیة البدائیة عند هذه القبائل، والبعض عنده حالة مذمومة كما كان سائداً ولفترة طويلة في المجتمعات الغربية بـ” بدائية” من يلجئون اليه، فليس من شك عند عالمي الاجرام لومبروزو او لاكاساني في مطلع القرن الماضي ان الاشخاص الموشومين متوحشون، أي انهم ادنى إنسانية، وانهم قليلو التحضر ميالون إلى اشكال الجريمة، وإنهم قد يختارون التعبير عن العار الذي لحقهم بواسطة ذلك الرسم الذي يترجم احتقارهم للقيم التي تتبناها الحضارة على انها قيمة، لذا يعد الوشم في رأي لومبروزو يمثل تركة مشتركة يرثها المجرمون والمتوحشون، وهؤلاء الأفراد الذين يقودهم ضعف ذكائهم الى الشغف بإدخال تغييرات على الجسد وبذلك ارجع الوشم الى الهمجية والإجرام، إذ يعدون الوشم اثباتاً للذات وتباهياً بالفحولة.

 

 

اما اليوم حسب قول كاثرين غرونار أصبح الوشم في المجتمع الغربي في القرن 21 مقارنة لما كانت عليه في الماضي، وأضحت ممارسات الثقب والوشم شائعة وملامسة لأوساط الآجيال الشابة في العمق، وفي جميع الظروف الاجتماعية، والاختلالات الجنسية، هي أبعد ما يكون كموضة، أو مجرد معارضة اجتماعية كما كان عليه سابقاً، بل إن هذه التسجيلات الجسدية تحولت إلى ظاهرة ثقافية تترجم رغبة اندماج بعض الشباب والمراهقين في فئاتهم العمرية للتعبير عن انفعالاتهم العاطفية والجنسية.

أمّا العرب فاستخدموه كوسیلة للتزیّن والتجمّل، وكرمز للتمیّز في الانتماء إلى القبائل وتتعدد أسماء الوشم بتعدد استخداماته ومنها التاتو الوشم الدائم والمؤقت.

في حين عد الوشم في المجتمع العراقي ظاهرة متعددة الأبعاد، ترتبط بالتاريخ، والهوية، والطبقة الاجتماعية، والنوع الاجتماعي، وأنماط التمثّل الثقافي، ورغم شيوعه المعاصر بين فئات شبابية، إلا أن فهم آثاره السببية يتطلب تحليل العوامل التي تدفع إليه، والنتائج التي يخلّفها على مستوى الفرد والجماعة.

لكن الأمر تطور مع انتشار الظاهرة وشیوعها في أنحاء عدیدة من العالم، فقد قامت مجموعة من الشركات العالمية بإنتاج أدوات دقیقة لاستعمالها في رسم الوشم حتى وصل الأمر إلى التكنولوجیا الحدیثة، إذ أدخلت أشعت اللیزر التي بإمكانها أن تضع أكثر من ثلاثة آلاف نقطة وشم على الجسم في الدقیقة الواحدة، بعد أن كان الأمر لا یتعدى خمس إلى عشر نقاط في العمل الیدوي وانه مر بمراحل تطور وتغيير بحسب المتغيرات المجتمعية وادخلت عليه تحسينات وتغيرات تتماشى مع كل مرحلة زمنية، لكن الوشم تحول منذ عقد الستینیات من ممارسة هامشیة إلي عادة شعبیة؛ وأصبح الوشم وسیلة اتصال أكثر من تقلیعة ویمكن تقسیم الإقدام على الوشم لثلاثة دوافع هي :

 

  1. دافع عدائي: الوشم العدائي ویطلق على الفرد صرخة ضد نظام سائد ویقصد به استفزاز المشاهد كرسم خنجر ضد المجموعة الأكبر للتعبیر عن تمرد هذه المجموعة كما تفعل عصابات المراهقین او الشقاوات أو السجون.

  2. دافع نرجسي: وقد یعبر الوشم عن هویة النرجسیة كمحاولة تأكید الذات وبحث الحقیقة في مغامرة الحیاة على اعتبار أن الوشم قوة منجدة لضعف الجسد فیأتي المظهر لیعطي تنكراً للجسد یجلب الأنظار وكعملیة إعادة اعتبار للفرد أو یقوم بدور الطلسم أو الأحجبة برسوم معقدة أو كتعبیر عن الإعجاب بالجسد وتأكید الأنا عبر نضرات الآخر.

  3. دافع انتمائي: یعبر عن الأنا العلیا لیشمل العلاقة الدینیة فأشكال كالصلبان أو المسبحة أو اسم یسوع أو عبارة التقویة دلیل تعارف وانتماء إلى العقیدة أو ذكرى حج إلى مكان مقدس وهذا أیضاً قرار شخصي إزاء الجماعة، فقد تكون تعبیراً عن أن الجسد لیس ملك صاحبه.

 

كما تتعدد أشكال وصور الوشم بألوانها وأشكالها التي تتربّع على أجساد الشباب وتتسلّل إلى مفاتن الفتیات، لتأخذ أشكالاً مختلفة حددها الدكتور خالد بن محمد الغامدي بخمسة أنواع للوشم وهي:

 

  1. وشم الإصابات: وینتج عن دخول مواد مثل الإسفلت أو سن قلم الرصاص داخل الجلد نتیجة الإصابة في حادث مروري أو غیره.

  2. وشم الهواة: وهو عبارة عن وشم یقوم الشخص أو صدیقه بعمله حیث یوضع حبر أو رماد على الجلد ثم یتم وخز الجلد بدبوس أو إبرة لتدخل جزئیات هذه المادة داخل الجلد ویكون شكل الوشم غیر متقن وعلى مستوى سطحي داخل الجلد.

  3. وشم المحترفین: حیث یقوم بعملها شخص مختص یستخدم جهاز مخصص لإدخال اللون المطلوب تحت الجلد ویكون عادة على شكل رسم متقن وبألوان متعددة وعادة یحوي مواد توضع في مستویات أعمق من طبقات الجلد.

  4. الوشم الطبي: ویستخدم في حالات نادرة لتحدید منطقة معینة سیتم تعریضها لعلاج الإشعاع لدى مرضى السرطان.

  5. الوشم التجمیلي: ویسمى أیضاً بالماكیاج الدائم حیث یتم رسم الحواجب أو طرف الشفة أو الشفة كاملة أو على شكل كحل للعینین ویتم ذلك بالوشم بمواد مخصصة، كما یستخدم بعد عملیات الثدي الجراحیة لتعویض شكل الحلمة بعد إزالتها جراحیاً وقد یستخدم لإخفاء لون البهاق حیث یتم الوشم بلون مقارب للون الجلد الطبیعي.

 

 

ومما سبق یمكن لنا أن نلاحظ أن الأنواع السابقة لا تخرج عن أحد نوعین: إما وشم دائم او وشم مؤقت.

 

لغة الوشم

إن التخاطب بالوشم يعد عملية معقدة من الاتصال غير الشفهي تشمل المجتمع الضيق ذكوراً وإناثاً وهو يخص المنحرفين وذوي السوابق العدلية والصيادين وبعض العسكريين، وممارسي رياضات القوة والعضلات لإبراز قوتهم وإظهار قدراتهم في محاولة لبث الرعب والخوف في قلوب الغير، بقي الوشم في المجتمع العراقي إلى عهد قريب حكراً على العلاج والزينة فقط لدى الاناث والذكور على حد سواء حيث كانت الوشمات عبارة عن خطوط بسيطة ومعبرة، لكن في السنوات القليلة الماضية عملت شريحة واسعة من الشباب بتقليد لما يقوم به  فنانون ورياضيون في الدول الغربية، مستوردين بعض الرموز والاشارات التي لم تكن متعارف عليها في مجتمعنا سابقاً، وبدأ الوشم يأخذ لغة صامته للتعبير بين الكثير من الشباب ممن يرتادون اماكن ومحلات الوشم، كما لا يمكننا أن نطلق عن الوشم صفة اللغة إلا في الأوساط التي يكثر فيها الموشمون، وذلك كما في السجون على وجه الخصوص حيث تكثر جلسات الوشم التي تفرز في كل مرة المزيد من الموشمين، فعندما يودع الإنسان بالسجن تتعطل لغة الكلام لديه بسبب القيود المعنوية والنفسية والاجتماعية، ولايتم التخاطب بين المساجين إلا بالإشارات هذه الظروف تتعطل لغة التواصل ألا الوشم، حيث يطور المساجين ثقافة وتنشط لغة التخاطب غير اللفظية الحرمان السجني وهو ما اصطلح عليه بالتحييز،  إذ يؤدي الوشم في كثير من الوضعيات دور اللغة امتياز حيث يكون هناك أشخاص يرسلون رسائل وآخرون يستقبلونها ويفسرونها ويتأثرون بها، وهذا ليس حكراً على السجناء، بل احياناً حتى بعض الموشومين ضمن نطاق مهني او هوياتي كالفنانين وبعض الرياضات يبقى للوشم رمزيته المتعارف عليها بين هذه الجماعات.

إذن الوشم ليس مجرد رسومات ورموزاً، بل أضحى لغة مفهومة وذات مقاصد واضحة بين جل الكثير ممن يتفنون في ترميز اجسادهم بالوشم او مدمني الوشم، لانهم في بعض الاحيان، في كل مرة يهتدون إلى رمز معين يستعملونه نيابة عن لغة الكلمات يجسدونه في رسم يختصرون به العديد من الجمل أو يختزلون حواراً كاملاً في وشمة معينة، إنها لغة قائمة بذاتها تختزل قصص وتعبر عن رغبات وتدل على أنماط من الشخصيات، يتخاطب بها فئة الموشومين في صمت بعيداً عن لغة الحروف والإشارات وحتى الإيماءات الوجهية، إنه لغة عالمية موحدة بين معظم الشعوب لكن لا يعرفها إلا المنخرطين في زمرة الموشمين، فضلاً عن أن “لغة” الوشم تتميز بعدد من الخصوصيات وهي تتمثل فيما يلي:

 

  1. إن استعمال الوشم للتعبير والتخاطب بقي حكراً على فئات محدودة من المجتمع وباعد بالتالي بين الموشمين وغير الموشمين أو الذين لا يعرفون تفسيراً لتلك الرسومات التي يتوارى الكثير منها تحت الثياب حيث يقابلون بعضهم بالتجنب وتفضيل عدم الاختلاط مع بعضهم.

  2. الوشم وما يرمز إليه وما يمثله من رغبات ونزوات ونداءات وذلك التهديد وكل المعاني التي نقشت على الجسم، تبقى على حالها لا تتغير رغم تغير حاملها وتغير الظروف، إلا انها تعبر عن نفس الشيء على الدوام بنفس القول بنفس اللغة هي نفس الرغبات ونفس الرفض، نفس الآلام الأبدية تساير الموشم حتى يموت.

  3. يمكن اعتبار الوشم كأسلوب للتعبير عن الرغبات والنزوات وغيرها عقوبة للموشم ذاته؛ لأنه اختار لغة خاصة جداً صعبة القراءة وصعبة الفهم والتفسير والتواصل بها، ولكنها ناطقة على الدوام بشيء ما.

  4. كأن الموشوم بتلك الوشمات التي نقشها على جسمه لكي تعبر عنه في زمن ما، قام بحبس الزمن في جسده الذي يتكلم ويردد نفس النغمة بصفة دائمة، يخاطب نفسه ويخاطب الآخرين بنفس المشاعر التي قلما تتغير أو تتحول وإن حصل ذلك فليس بالأمر اليسير، وكأنه عاقب جسده ونفسه مدى الحياة.

  5. الموشوم يتكلم بدون كلمات ويخاطب الناس من حوله قصد ذلك أم لم يقصد، لاسيما أولئك العارفين بتلك اللغة خصوصا إذا كان هناك تناسق ما بين لغة الوشم ولغة الجسد حيث يكون التعبير عن الرغبات والوضعيات والحاجات واضحاً.

 

 

التعبير بالوشم

يعتبر الجسد نافذة الإنسان على العالم الخارجي، إذ من خلاله يتم التفاعل مع الآخرين ومع الإطار الحياتي بصفة عامة، فهو الذي يعبر عن الإنسان قبل أن يعبر هو عن نفسه بالكلام أو بطرق أخرى، ويقول د. أونزيو  يمثل الجلد منطقة التبادل المفضلة بالنسبة للموشوم مع العالم المحيط به، إذ يتحول الجسم لدى الموشمين إلى كراس للذكريات وألبوم من الرسومات ووسيلة لاستعراض عدد من المشاعر كالحب والكره، الخيانة الغدر، يحمل وبصفة دائمة رموز الحياة ورموز الفناء، وبالنسبة لبعض الموشومين تعاش اجسادهم كتجربة وجودية وتظهر عليها نواياهم ومقاصدهم ومعاناتهم الوجودية.

ومن الجدير بالذكر ان الوشم وما يحمله من صور ما هي إلا انعكاس لنمط معين من التخصص في مجال معين من العمل او الهواية، فالوشم في بعض الاوساط الاجتماعية هو تعبير عن الهوية لأن جل الرسومات التي ينقشونها على أجسادهم تدل على انتماء معين، وهو مخالف للإتجاه العام للمجتمع، وهو تأكيد عن الذات في محيط اجتماعي محتلف الاتجاهات والتوجهات، فالوشمات تكون إشارة مرئية للانتساب الى جماعة اجتماعية تمارس هواية معينة مثل لاعبي كمال الاجسام او الفنانين او الرياضيين أو خريجي السجون ومدمني المخدرات او لغرض جمالي معين ومن ثم تمييز الذات عن أغلبية المجتمع الذي تكون لديه قاعدة تجمعه في الشخصية والسلوكات وإبراز الذات وتحقيقها، فجملة الرسوم المنقوشة على أجساد مجتمع وحامليها، قد نجدها تستعمل كلمات حادة وتراكيب دقيقة تؤدي معنى واضحاً تختصر فعلاً جملة من المشاعر أو تلخص موقفاً اجتماعياً معيناً، وهناك بعض الرسومات موجهة لصاحبها وتعنيه هو دون غيره، إذ نجد مثلا المرأة في هذا الرسم يختصر حباً حقيقياً ويحمل الوفاء للمرأة مدى العمر، واحياناً نجد وشمة تمثل أو يراد بها حامل هذا الوشم ان يتحاشى أهل السوء والنميمة والغدر وخلد ذلك بالوشم، فهو تعبير عن وشم يختصر إنكار مشاعر الغدر والنميمة ورفض ذو الوجهين يلعب دور الصديق تارة ويتحول إلى عدو تارة أخرى، كما يختصر مشاعر التذمر من هذا الشخص وهوتعبير عن وشم يختصر موقفاً هو أن صاحبه استفاق بعد مضى عمره في اللهو.

اما مواضع الوشم وأماكن نقشها فوق الجسم فلها أهميتها هو من اهتم بالإمكان الجلدية في الجسم الأكثر تمثيلاً بالنسبة للتخاطب بالوشم، بالخصوص اليدين والوجه وبالفعل تأخذ الوشمات التي تنقش على الوجه واليدين أهمية خاصة في لغة الوشم، لأن صاحبها يضعها في تلك المواضع وهو يعلم بأن الآخرين سوف يطلعون عليها، فعندما يسلم الإنسان وجهه للوخز بالإبرة فإن من وراء ذلك رغبة كبيرة تدفعه إلى ذلك الفعل تفوق الإحساس بالألم باعتبار أن الوجه مقدس عند صاحبه، فهو موضع لرسم المودة وإظهار المشاعر، وهو يمثل صاحبه عند غيره من الناس وهو من يصور وتوضع صوره في البطاقات الرسمية أو حتى تحفظ للذكرى، إذن الوجه خط أحمر، إذا استعمله الموشوم كحيز للتعبير فإن ما رسمه فوقه يعد على غاية من الأهمية بالنسبة له، أما محتويات أو الصور التي تنقش على الجسم فهي كذلك لها مغزى ومعنى وتفصح عن العديد من صور ومعاني المواقف في الحياة.

 

الآثار النفسية

  1. العلاج الرمزي

  • يستخدم كثير من الشباب الوشم كطريقة لمواجهة القلق، الحداد، أو الاكتئاب.

  • الوشم يعمل كآلية “تثبيت” للمعنى عند فقدان اليقين.

  • انتشار الندم لدى الشباب بعد تغيّر أفكارهم أو ظروفهم.

 

  1. تعزيز الشعور بالقيمة الذاتية

  • الوشم جزء من بناء هوية قوية في بيئة اجتماعية مضطربة.

  •  تحدي السلطة الرمزية.

  • الوشم قد يُمثّل مقاومة صامتة للمعايير التقليدية.

 

  1. الآثار الاقتصادية والقانونية

  • أغلب محلات الوشم تعمل دون تراخيص، ما يخلق سوقًا موازية غير خاضعة للضرائب.

  • اعتماد عدد كبير من الشباب عليها كمصدر رزق غير مستقر.

  • صعوبات العمل: بعض القطاعات (العسكرية، الأمن، المؤسسات الحكومية) ترفض أصحاب الوشم الظاهر أو تشترط إخفاءه دائمًا مما قد يؤدي ذلك إلى فقدان فرص العمل.

  • إزالة الوشم مكلفة وغير مضمونة النتائج.

 

التهاب الكبد الوبائي c

 

 الآثار الصحية السلبية للوشم

  1. مخاطر العدوى وانتقال الأمراض: يُعد هذا الخطر الأعلى في العراق بسبب انتشار محلات غير مرخّصة.

  • التهابات الجلد البكتيرية: مثل الفيروسات المنتقلة عبر الدم:

    • التهاب الكبد الفيروسي B

    • التهاب الكبد الفيروسي C

    • فيروس نقص المناعة (HIV)

    • بسبب استخدام إبر غير معقمة أو أحبار ملوّثة.

 

  1. الحساسية الجلدية: حساسية تجاه أحبار الوشم، خاصة الأحمر والأصفر التي تحتوي على أملاح الزئبق والكروم قد تظهر: طفح مستمر

  • حكة

  • تورّم

  • التهابات متكررة

  • بعض الحالات قد تؤدي إلى إكزيما مزمنة في موقع الوشم

 

  1. تكوّن الندوب والتعرّجات الجلدية

  • ظهور ندبات سميكة، خاصة عند الأشخاص ذوي القابلية الوراثية يمكن أن تسبب:

  • ألماً

  • تشوّهاً تجميلياً

  • وتحتاج علاجاً طويلًا بالليزر أو الحقن.

 

  1. مخاطر على جهاز المناعة

  • دخول الحبر إلى طبقات عميقة من الجلد قد يؤدي إلى:

  • ردود فعل مناعية شديدة

  • التهاب العقد اللمفاوية

  • ترسّب جزيئات الحبر داخل الجهاز اللمفاوي، وهو تأثير ما زال في طور الدراسة.

 

  1. تأثيرات الأشعة السينية والرنين المغناطيسي

  • بعض الأحبار المعدنية قد تتفاعل مع أجهزة MRI  وتسبب:

  • إحساساً بحرقة.

  • تشويشاً في الصور الطبية.

  • صعوبة في التشخيص.

  • مخاطر إزالة الوشم بالليزر قد تسبب

    • حروقًا وتغييرًا في لون البشرة.

    • بقاء بقع داكنة.

    • مضاعفات أكبر عند إزالة وشوم كبيرة أو ملونة.

 

العوامل التي تزيد المخاطر في العراق

  • غياب تشريعات واضحة لتنظيم محلات الوشم.

  • استخدام أحبار مجهولة المصدر.

  • عدم وجود تدريب طبي للوشامين.

  • ارتفاع الطلب بين الشباب مع جهل بالمخاطر الصحية.

  • انتشار الوشم في المنازل أو الوشم المتنقّل بدون تعقيم.

 

 

الخاتمة

في الختام، يبرز الوشم بوصفه ظاهرة أنثروبولوجية مركّبة تتجاوز حدود الزينة الجمالية إلى كونه لغة رمزية للتواصل داخل الجماعات البشرية. فمن خلال الرموز، والأشكال، والأساليب المتوارثة، يعبّر الأفراد عن هوياتهم الاجتماعية، وانتماءاتهم الثقافية، وذاكرتهم الجمعية، كما يعيدون إنتاج معاني تتصل بالرجولة، القوة، الاعتقاد الروحي، أو حتى التمرّد والاختلاف. وقد شكّل الوشم عبر التاريخ وسيلة للتعبير غير اللفظي، تعتمد على الجسد باعتباره “نصاً اجتماعياً” تُقرأ من خلاله القيم والأدوار والمكانة داخل المجتمع.

لكن وعلى الرغم من أهميته الثقافية، فإن الوشم يحمل آثاراً صحية سلبية لا يمكن تجاهلها، لاسيما مع انتشار الممارسات غير المأمونة في البيئات الشعبية أو غير النظامية، فالأحبار المجهولة المصدر، والأدوات غير المعقّمة، وطريقة التنفيذ اليدوية، قد تؤدي إلى انتقال أمراض خطيرة مثل التهاب الكبد الفيروسي  وC) و B) أو التهابات جلدية مزمنة، أو ردود فعل تحسسية شديدة، كما يمكن أن يترك الوشم تأثيرات طويلة المدى مثل الأورام الجلدية النادرة، أو المضاعفات المناعية، إضافة إلى الآثار النفسية في حال ندم الفرد على الوشم أو تعرضه للوصم الاجتماعي.

وبذلك فإن أنثروبولوجيا الوشم تكشف عن مفارقة واضحة: فهو من جهة لغة تواصل ثقافية محملة بالمعاني والرموز، ومن جهة أخرى ممارسة قد تحمل مخاطر صحية حقيقية تتطلب وعيًا مجتمعيًا وتنظيمًا قانونيًا يقلّل من أضرارها. وتبرز الحاجة إلى مقاربة متوازنة تجمع بين احترام الدلالات الثقافية للوشم وفهم مخاطره الطبية، لضمان بقاء هذه الممارسة ضمن إطار آمن وصحي لجميع الأفراد. 

 

 

المصادر
  1. ابراهيم، ايناس مهدي، تحولات القيم الجمالية في فن وشم جسد المرأة، مجلة دراسات للعلوم الاجتماعية والإنسانية، مجلد 49، عدد2، ملحق 2، 2019.
  2. احمد، عبد الحكيم خليل سيد، التجليات الرمزية للوشم في المعتقد الشعبي بين الخصوصية الثقافية والثقافة الشعبية، كلية الفنون الجميلة، جامعة النجاح الوطنية، فلسطين، 2012.
  3. زيان، محمود، الوشم والوصم: الرجولة بين الانتماء واللااتماء دراسة انثربولوجية، مجلة المخاطبات، العدد 40، 2021.
  4. سارة محمد عبد المنعم القباني، استحداث حلول تشكيلية من خلال توظف رموز الوشم في التصوير الجداري المعاصر، كلية الفنون الجميلة الاسكندرية، مصر، 2023.
  5. عبد المجيد، بوصلب، الوشم التقليدي لدى المرأة بمنطقة جيجل اغراض ودلالات ورموز مقاربة سيميو- انثربولوجية، مجلة المعيار، مجلد 25، عدد 56، 2021.
  6. وناس، امزيان، لغة الوشم في الوسط العقابي، مجلة العوم الإنسانية والاجتماعية،الجزائر، العدد 11، 2013.

 

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى